هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بيان أحكام الزكاة - بيان من هم مستحقي الزكاة

اذهب الى الأسفل

بيان أحكام الزكاة - بيان من هم مستحقي الزكاة  Empty بيان أحكام الزكاة - بيان من هم مستحقي الزكاة

مُساهمة من طرف المدير السبت يونيو 09, 2012 12:22 am

الخطبة الأولى:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي أنعم علينا بالأموال، وأباح لنا التكسب بها عن طريق الحلال، وشرع لنا تصريفها فيما يرضي الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ذو الأنعام والأفضال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أزهد الناس في الدنيا وأكرمهم في بذلها على الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.

أما بعد:

فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وأدوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم التي رزقكم الله، فقد أخرجكم الله من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، ولا تملكون لأنفسكم نفعاً ولا ضراً، ثم يسر الله لكم الرزق وأعطاكم ما ليس في حسابكم، فقوموا - يا عباد الله - بشكر نعمة الله، وأدوا ما أوجب الله عليكم في ذلك؛ لتبرئوا ذممكم وتطهروا أموالكم، واحذروا الشح والبخل بما أوجب الله عليكم، فإن ذلك هلاككم ونزع بركة أموالكم.

أيها المسلمون، إن أعظم ما أوجب الله عليكم في أموالكم: الزكاة؛ التي هي ثالث أركان الإسلام، وقرينة الصلاة في محكم القرآن، وجاء في منعها والبخل بها الوعيد بالنيران، قال الله - عز وجل -: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [آل عمران: 180]، وقال جل ذكره : ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: 34-35]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسير الآية الأولى: "من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مثل له شجاع أقرع وهو الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها مثل له شجاعاً أقرع له ذبيبتان أي غدتان مملوءتان من السم يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك"(1)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسير الآية الثانية: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى به جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد"(2)، وإن من أعظم حقوق المال بل أعظمها: الزكاة.

أيها المسلمون، تأملوا هذا الحديث العظيم الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم"(3)، إنه - والله - لا يحمى على الذهب والفضة في نار كنار الدنيا إنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلها "فضلت عليها بتسعة وستين جزء"(4).

أيها المسلمون، إنه إذا أحمى عليها لا يكوى بها طرف من الجسم متطرف وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية؛ الجباه من الأمام، والجنوب من الجوانب، والظهور من الخلف.

أيها المسلمون، إنه إذا كوي بها الجسم لا تترك حتى تبرد وتزول حرارتها ولكنها كلما بردت أعيدت وأحميت في نار جهنم.

أيها المسلمون، إن هذا العذاب ليس في يوم ولا في شهر ولا في سنة، ولكنه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فيا عباد الله، إخواني: إن هذا العذاب ليس في يوم ولا في شهر ولا في سنة ،ولكنه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يا من آمنوا بالله ورسوله، يا من صدقوا بالقرآن وصدقوا بالسنة، ما قيمة الأموال التي تبخلون بزكاتها وما فائدتها؟ إنها تكون نقمة عليكم وثمرتها لغيركم، إنكم لا تطيقون الصبر على وهج نار الدنيا فكيف تصبرون على نار جهنم؟ فاتقوا الله عباد الله، وأدوا الزكاة طيبة بها نفوسكم، وحاسبوا أنفسكم محاسبة دقيقة قبل أن تحاسبوا على ذلك يوم القيامة.

أيها المسلمون، لئن سألتم ما الأموال التي تجب فيها الزكاة، فإننا نقول: إن الأموال التي تجب فيها الزكاة متعددة، وإن منها الذهب والفضة، فالذهب والفضة فيهما الزكاة على أي حال كانت، سواء كانت جنيهات أو ريالات، أم قطع من الذهب والفضة، أم حلياً من الذهب والفضة للبس أو للبيع أو للتأجير، فالذهب والفضة جاءت نصوص الكتاب والسنة بوجوب الزكاة فيهما عموماً بدون تفصيل، ومن أخرج منها شيئاً أو نوعاً فعليه الدليل، فإن لم يأتِ بالدليل فإنه مطالب بما تقتضيه عمومات الكتاب والسنة، ومسؤول عنها يوم القيامة، ولن ينفعه عند الله إذا بلغته النصوص، لن ينفعه أن يقول: قال فلان هذا لا زكاة فيه، أو قال فلان: هذا لا زكاة فيه، لأن الله يقول في كتابه: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 15]، لم يقل ماذا أجبتم فلاناً أو فلاناً، فمن تبين له وجوب الزكاة في شيء من الأموال بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا عذر له في تركهما لقول أحد كائن من كان؛ لأن هذا الأحد الذي أخذ بقوله لن ينفعه يوم القيامة، إن نصوص الكتاب والسنة العامة دالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة على أي وجه كانت، وقد جاءت نصوص صحيحة صريحة في وجوب زكاة الحلي، فمنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتعطين زكاة هذا" قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار" فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله"(5)، هذا الحديث قال فيه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أخرجه الثلاثة وإسناده قوي، وصححه شيخنا عبد العزيز بن باز، ولكن لا تجب الزكاة في الذهب والفضة حتى يبلغان نصاباً، فنصاب الذهب عشرون مثقالاً وزن خمسة وثمانين جراماً، فما دون ذلك لا زكاة فيه، إلا أن يكون للتجارة، فإذا كان عند المرأة حلي يبلغ مجموعه هذا الوزن وجب عليها إخراج زكاته، أما إذا كان مجموع ما عندها لا يبلغ هذا الوزن فإنه لا زكاة فيه، وعلى هذا فإذا كان للإنسان بنات ولكل واحدة من هذه البنات حلي لا يبلغ النصاب فإنه لا زكاة عليه في حلي هذه البنات، أما نصاب الفضة فإنه مائة وأربعون مثقالاً وزن ستة وخمسين ريالاً سعودياً، فما دون ذلك لا زكاة فيه، ومقدار الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر، وتجب الزكاة أيضاً في الأوراق النقدية إذا بلغت ما يساوي ستة وخمسين ريالاً سعودياً من الفضة، وفيها ربع العشر، وتجب الزكاة في الديون التي للإنسان وهي الأطلاب التي له على الناس إذا كانت من الذهب أو الفضة أو الأوراق النقدية وبلغت نصاباً بنفسها أو بضمها إلى ما عنده من جنسها، سواء كانت حالة أو مؤجلة فيزكيها كل سنة إن كانت على غني، لكن إن شاء أدَّى زكاتها قبل قبضها مع ماله، وإن شاء انتظر حتى يقبضها فيزكيها لكل ما مضى، أما إن كانت الديون على فقير فإنه لا زكاة فيها حتى يقبضها، فإذا قبضها زكاها سنة واحدة عن كل ما مضى؛ لأنها قبل قبضها في حكم المعدوم، وتجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصاباً بنفسها أو بضمها إلى ما عنده من الدراهم، وعروض التجارة كل ما أعده مالكه للبيع تكسباً وانتظاراً للربح من عقارات وأثاث ومواشي وسيارات ومكائن وأطعمة وأقمشة وغيرها، فتجب عليه الزكاة فيها وهي ربع عشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تم الحول وجب على التاجر أن يثمن ما عنده من العروض ويخرج ربع عشر قيمتها، سواء كانت القيمة مثل الثمن الذي اشتراها به أو أقل أو أكثر، فإذا اشترى سلعة بألف ريالاً مثلاً وكانت تساوي عند تمام الحول ألفين وجب عليه زكاة ألفين، وإن كانت لا تساوى إلا خمسمائة لم يجب عليه إلا زكاة خمسمائة، وإذا أردت أن تعرف مقدار الزكاة من الدراهم وعروض التجارة فاقسمها على أربعين، فما خرج بالقسمة فهو الزكاة، وعلى هذا ففي أربعين ألفاً ألف ريال، وهكذا تكون الزكاة، بأن يقسم المال على أربعين فما خرج بالقسمة فهو زكاة المال من الذهب والفضة والأوراق النقدية وعروض التجارة، ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، فلو نفد المال قبل تمام الحول أو نقص عن النصاب فلا زكاة فيه، ولو مات المالك قبل تمام الحول فلا زكاة عليه، وإنما تجب الزكاة على الورثة بعد تمام الحول من ملكهم إياها إذا تمت الشروط، ويستثنى من ذلك ربح التجارة، ففيه الزكاة إذا تم حول رأس المال، وإن لم يتم الحول على الربح، ويستثنى من ذلك أيضاً حسب الصورة عروض التجارة فإن حولها حول عوضها وإذا كان لا يعلم، وإذا كان عند الإنسان دراهم يتم حولها في رمضان فاشترى بها في شعبان مثلاً شيئاً للتكسب والتجارة فإنه يزكيه في رمضان، وإن كان لم يمضِ عليه إلا شهر واحد؛ لأن عروض التجارة تتبدل ويكون بعضها بدلاً عن الآخر، ولا يجوز أن يؤجل الإنسان الزكاة إذا تم الحول، ويستثنى من ذلك أيضاً الأجرة فإن زكاتها تجب وقت قبضها إذا كان قد مضى على عقد الإجارة حول، وإذا كان الشخص يملك المال شيئاً فشيئاً كالرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منه حتى يحول عليه الحول، وإذا كان يشق عليه ملاحظة كل شهر في حوله فليزكِّ الجميع إذا تم حول أول راتب منها، فتكون زكاة أول راتب في حينها وتكون زكاة ما بعده مؤجلة، وتعجيل الزكاة لا يضر، وإذا استعمل هذا الطريق كان أريح وأسلم من الاضطراب، وإذا كان للإنسان عقار يسكنه أو سيارة يركبها أو مكينة لفلاحته أو أثاث لبيته أو أواني لبيته أو نحو ذلك فلا زكاة عليه فيه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة"(6)، وإذا كان له عقار يؤجره أو سيارة يكدها في الأجرة أو معدات يؤجرها فلا زكاة عليه فيها، وإنما الزكاة فيما يحصل منها من الأجرة، حتى ولو كثرت العقارات التي يؤجرها فلا زكاة عليه في قيمتها، وإنما الزكاة فيما يحصل منها من الأجرة، وإذا كان للإنسان أرض يريد أن يبني عليها مسكناً له أو يبني عليها بناءً للإيجار فلا زكاة عليه فيها، وكذلك إذا كان عنده أرضٌ أبقاها للحاجة يقول إن احتجت بعتها وإلا أبقيتها فلا زكاة عليه فيها.

أيها المسلمون، هذه نماذج من أحكام الزكاة، ومن أشكل عليه شيء منها فليسأل عنه أهل العلم، وتحروا - أيها المسلمين - لزكاتكم فإنها قرينة صلاتكم، وإنك أنت عارية في هذه الدنيا والمال عارية عندك، فلا تقدم المال على ما يرضي ربك الذي من به عليك، اللهم وفقنا لأداء ما يجب علينا من مال وعمل على الوجه الذي ترضاه عنا بدون عجز ولا كسل، اللهم زدنا من فضلك ما نزداد به قربة إليك ورفعة في درجاتنا إنك جواد كريم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن للزكاة موضع لا يصح أن تصرف إلا فيه، فمن صرف الزكاة في غير مصارفها التي فرضها الله عز وجل فإن زكاته لا تقبل ولا تبرأ بها ذمته، ألا وإن من المصارف التي فرضها الله أن تصرف إليها الزكاة من كانوا فقراء أو مساكين؛ وهم الذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم وأهليهم، فمن كان لا يجد ما ينفق على نفسه وأهله أو كان يجد شيئاً لا يكفي فإنه يعطى كفايته التي تكفيه هو وعائلته لمدة سنة؛ لإزالة فقرهم حتى يأتي الدور الذي تجب فيه الزكاة مرة أخرى، هكذا قال أهل العلم، فإذا كان عند الإنسان راتب ولكن راتبه لا يفي بمتطلبات حياته هو وعائلته فإنه في هذه الحال يجوز أن يعطى من الزكاة ما يكفيه؛ لأنه فقير محتاج، وإذا كان عند الإنسان راتب يكفيه للكسوة وللأكل والشرب وللسكنى ولكنه محتاج إلى الزواج فإنه يعطى ما يتزوج به ولو كثر حتى لو بلغ أربعين ألفاً أو أكثر أو أقل فإنه يعطى من الزكاة؛ لأن الحاجة إلى الزواج حاجة ملحة، بل هي من الضروريات أحياناً، ومن المواضع التي تصرف الزكاة إليها الغرماء؛ وهم المدينون الذين في ذممهم أطلاب للناس ولا يستطيعون وفاءها، فهؤلاء يوفى عنهم من الزكاة ولو كثرت ديونهم، ولكن كيف نوفي عنهم؟ هل نعطيهم المال ليدفعوه إلى من يطلبهم؟ أم نذهب نحن إلى الطالب فنعطيه المال؟ الأحسن أن نذهب نحن إلى الطالب ونعطيه المال ونقول له: هذا المال من دينك الذي تطلبه زيداً، وفي هذا الحال تبرأ ذمة المطلوب، نعم، لو فرضنا أن المطلوب إنسان ثقة وصاحب دين ويحب براءة ذمته من الدين وهو موثوق ويستحي أن نذهب نحن ونقضي دينه ففي هذه الحال نعطيه؛ لأننا واثقون منه، واثقون من أن يدفع دينه إلى غريمه الذي يطلبه، أما إذا كان الإنسان غير موثوق منه ونخشى إذا أعطيناه ليوفي أن يأكله ولا يوفي دينه فإن الأفضل والأولى أن نقضي دينه نحن كما وصفنا آنفاً، ومن أصناف أهل الزكاة الذين تدفع إليهم الجهاد في سبيل الله، فيجوز للإنسان أن يصرف زكاته في المجاهدين في سبيل الله، وهم الذين يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا؛ لأن الله تعالى يقول في سورة التوبة: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، ولا يجوز للإنسان إذا كان له دين على فقير لا يجوز له أن يسقط من دينه ويحتسبه من الزكاة؛ لأن هذا إبراء لا إعطاء، والله - عز وجل - أمرنا بالإعطاء، فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 103]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل وقد بعثه إلى اليمن: "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"(7) ومن أبرأ غريمه من دينه فإنه لم يعطه، وعلى هذا فيجب التنبه لهذه المسألة؛ لأن كثيراً من الناس يظن أن ذلك جائز وليس بجائز، أي: أنه لا يجوز إذا كان لك شخص تطلبه دين وهو فقير لا يجوز أن تسقط عنه شيئاً من الدين وتحتسبه من الزكاة، ولا يجوز كذلك أن تقضي دين عن ميت من الزكاة؛ لأن الزكاة إنما هي للأحياء وليست للأموات، والميت الذي خلف تركة يجب أن يقضى دينه من تركته، فإن لم يخلف تركة فإن الله - سبحانه وتعالى - يقضيه عنه يوم القيامة إذا كان أخذ أموال الناس يريد أداءها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله"(8)، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قبل أن يفتح الله عليه الفتوح إذا أتي بشخص ميت عليه دين ليس له وفاء كان لا يصلي عليه، ويقول للصحابة صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح وكثرت الأموال عنده صار إذا قدم إليه الميت عليه الدين يقول - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم"(9)، فيقضي دينه من المال الذي أتاه الله، ولو كانت الزكاة تدفع في دين الأموات لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدفعها في دين هؤلاء الأموات الذين يموتون أو الذين ماتوا قبل أن يفتح الله عليه.

أيها المسلمون، إن بعض أهل العلم حكى إجماع أهل العلم على أنه لا يقضى من الزكاة دين على ميت، والإجماع في الواقع ليس بصحيح، بل هناك خلاف، ولكن جمهور أهل العلم ومنهم المذاهب الأربعة على أنه لا يقضى دين الميت من الزكاة، فلا تتهاونوا في هذا الأمر، ولا تخاطروا في زكاتكم، والميت أمره إلى الله عز وجل، والأحياء أحق أن تقضى ديونهم من الزكاة.

أيها المسلمون، اعلموا "أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"(10)، "فعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار"، وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم يعظم الله لكم بها أجراً، فإن "من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرة"، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم من أرادنا بسوء فاجعل كيده في نحره، وشتت شمله، وفرق جمعه، واهزم جنده يا رب العالمين، اللهم من أرادنا بسوء فأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا رب العالمين، اللهم اكتب عليه الذل إلى يوم القيامة مادام يريد السوء للمسلمين إنك على كل شيء قدير، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم صغيرهم وكبيرهم، اللهم وأصلح لهم بطانة أمورهم، اللهم وأصلح البطانة وأعنهم على تحمل الأمانة يا رب العالمين، اللهم من كان من بطانة ولاة أمورنا غير مستقيم على شرعك ولا ناصح لولاتنا ولا لرعيتهم فأبعده عنهم يا رب العالمين، اللهم أنزل في قلوبهم بغضه، وحبب إليهم البطانة الصالحة إنك على كل شيء قدير، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].

عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].



--------------------------------



(1) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة، باب البيعة على لإيتاء الزكاة، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1315) ت ط ع.

(2) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة، باب إثم مناع الزكاة، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1647) ت ط ع.

(3) سبق تخريجه في نفس الصفحة، حـ1.

(4) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب صفة النار وأنها مخلوقة، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (3025) ت ط ع، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم وبُعد قعرها وما تأخذ من المعذبين، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (5077) ت ط ع.

(5) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (6607) وفي رواية (6380) وفي رواية (6645) ت ط ع، وأخرجه النسائي رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة، باب زكاة الحُلي، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (2434) ت ط ع، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو وزكاة الحلي (1336) ت ط ع.

(6) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة، باب ليس على المسلم في عبده صدقة، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1371) ت ط ع، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1632) ت ط ع.

(7) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (1308)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، من حديث ابن عباس في قصة معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهم (28،27) ت ط ع.

(8) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الاستقراض وأداء الديون من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (2212) ت ط ع.

(9) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الحوالة، باب من تكفل عن ميت ديناً فليس له أن يرجع ربه، قال الحسن من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (2133) ت ط ع، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الفرائض، باب من ترك مالاً فلورثته، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (3040) ت ط ع.

(10) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وأخرجه النسائي رحمه الله تعالى في سننه في كتاب صلاة العيدين، كيف الخطبة (1560) ت ط ع واللفظ للنسائي "وكل ضلالة في النار".
avatar
المدير
Admin
Admin

عدد المساهمات : 1934
نقاط : 16300
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 21/01/2011
العمر : 52

خاص للزوار
تردد1:
بيان أحكام الزكاة - بيان من هم مستحقي الزكاة  Left_bar_bleue100/0بيان أحكام الزكاة - بيان من هم مستحقي الزكاة  Empty_bar_bleue  (100/0)
أسألة الزوار:
بيان أحكام الزكاة - بيان من هم مستحقي الزكاة  Left_bar_bleue75/0بيان أحكام الزكاة - بيان من هم مستحقي الزكاة  Empty_bar_bleue  (75/0)
ddddddkkkkkkk:

https://alhorani.ahladalil.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى