هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

طول الأمل ..

اذهب الى الأسفل

 طول الأمل .. Empty طول الأمل ..

مُساهمة من طرف fatoom الجمعة مارس 09, 2012 1:15 am


إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً * " أما بعد .. فإن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكل ضلالةٍ في النار عباد الله ، الأمراض التي تصيب الإنسان على نوعين : أمراضٌ تصيب الأبدان ، ومنها نَفِرُّ إلى الطبيب ، فينظر الطبيب في الحال ، وينظر في الأعراض ، ويصف الدواء ، وعلى المريض الأخذ بالأسباب ، ومداومة أخذ العلاج حتى يبرأ بإذن الله ، النوع الثاني : أمراضٌ تصيب القلوب ، وهي أشد فتكاً ، وأشد خطراً من الأمراض التي تصيب الأبدان ، لأنها تؤدي إلى خسارة الدنيا وخسارة الآخرة ، لأنها لا تكتشف إلا عند ساعات الرحيل ، وساعات الاحتضار ، فأمراض القلوب من أشد الأمراض فتكاً بهذه الأمة ، وتشخيص علاج الأمة اليوم ، وتشخيص ومعرفة مرضها قد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم منذ مئات السنين ، حين قال : (( تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها ، قلنا : أومن قلةٍ نحن يومئذٍ يا رسول الله ؟ قال : بل أنتم كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل ، وليوشكن الله أن ينزع من صدور أعداءكم المهابة ، ويقذف في قلوبكم الوهن _ هذا هو المرض _ ، قلنا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت )) من الأمراض التي ابتليت بها الأمة في أقصى الأرض ، وفي أدناها اليوم ، مرضٌ يقال له : طول الأمل ، ومن أطال الأمل أساء العمل الله يقول : " ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " هذا من أشد الأمراض فتكاً بالأمة اليوم ، كانوا يتواصون فيما بينهم البين سابقاً (( احرص على الموت توهب لك الحياة )) ، واليوم الناس لا تُبالي أي حياةٍ تحياها ، المهم أنها تحيا بأي حالٍ من الأحوال ، يصبح المسلم ويمسي وهمه الدنيا وحطامها ، يغدو ويروح من أجل دنياه ، وهذا واضحٌ في صلاة الفجر عند المسلمين ، انظر بارك الله فيك إذا أذن المؤذن ونادى المُنادي ، خرجت فئة قليلة تبتغي ما عند الله ، وآلافٌ مؤلفة تغط في سباتٍ عميق يا غافلاً عن العمل .. وغره طول الأمل الموت يأتي بغتةً .. والقبر صندوق العمل ولكل مرضٍ أعراض تظهر على هذا المريض ، لطول الأمل أعراضٌ منها : حب الدنيا والجهل ، فإن المسكين إذا تعلق بالدنيا ، تعلق بشهواتها ، أصبح من الصعب عليه أن يفارقها ، إذا تعلق بالحطام ، وتعلق بما في الدنيا ، أصبح من الصعب عليه أن يفارقها ، وإذا ذُكِرَ الموت عنده كَرِهَ ذلك ، لأنه يقطع عليه شهواته ، ويقطع عليه لذاته ، ويقطع عليه الاتصال بدنياه علمنا قرآننا ، وعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم كيف يكون التعامل مع الدنيا ، قال الله مشبهاً هذه الدنيا ، ولعلك قرأت سورة الكهف في جلوسك قبل الصلاة ، حين قال الله مصححاً مفاهيم الناس ، مصححاً معتقدات الناس : " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا " ، هذه هي الحياة ، شُبهت بالماء ، لأن الماء لا يستقر على حالٍ واحدة ، والماء لا يستقر في مكانٍ واحد ، ومن خاض في الماء أصابه البلل لماذا سورة الكهف ؟ ولماذا من الجمعة إلى الجمعة ؟ لأنها تصحح المفاهيم ، تصحح المعتقدات ، تربط الناس برب الأرض والسماوات ، أما قال الله في أوائل السورة : " إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً " ، أما قرأت هذا ؟ أما قرأت هذه الآيات ؟ " إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا " الحياة الحقيقية التي لابد أن نحياها " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا " يا عجباً للناس لو فكروا .. وحاسبوا أنفسهم أبصروا وعبروا الدنيا إلى غيرها .. إنما الدنيا لهم معبر لا فخر إلا فخر أهل التقى .. غداً إذا ضمهم المحشر ليعلمن الناس أن التقى .. والبر كانا خير ما يدخر قال الله جل في علاه : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ " فالتعلق بالدنيا هو من أسباب طول الأمل ، إذا أنِسَ إلى الدنيا ، وأنِسَ إلى لذاتها تعلق بها وبما فيها ، وإذا ذُكِر الموت كان ذكر الموت من أصعب الأشياء عليه ، لأنه يقطع عليه لذاته وشهواته علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون التعامل مع الدنيا ، فقال بأبي هو وأمي : (( مالي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سافر في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعةً ، ثم راح وتركها )) ، ثم علمنا كيف نتعامل مع الدنيا فقال : يا ابن عمر ، (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) من هو الغريب أحبتي ؟ الغريب ، الذي لا مال له ، ولا وطن له ، ولا أهل له ، يشتاق دائماً إلى لقاء أهله ، والعودة إلى دياره وأوطانه ، هكذا حال الغريب قال ابن القيم رحمه الله : وقد زعموا أنَّ الغريب إذا نأى .. وشطت به أوطانه فهو مغرمُ وأي اغترابٍ فوق غربتنا الَّتي .. أضحت لها الأعداء فينا تحكم الغريب ، من لا أهل له ، ولا وطن له ، يشتاق دائماً للرجوع إلى أهله فحي إلى جنات عدنٍ فإنها .. منازلنا الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى .. إلى أوطاننا نعود ونسلم من صفات الغريب ، أنه لا يتطاول في البنيان ، متاعه قليل ، زاده قليل ، أخذه من الدنيا قليل ، لأنه على سفر ، انظر في حالنا ، انظر في تطاول الناس في البنيان قال أبو حامد الغزالي رحمه الله : والمقصد من البنيان جدرانٌ أربعة ، تضم الصغير والكبير، تحميهم من حر الصيف وبرد الشتاء ، ومن أعين الناس هذا هو المقصد من الجدران ، انظر بارك الله فيك ، تُنفق الأموال تلو الأموال ، تلو الأموال في تزيين الجدران ، وتزيين الأسقف ، سبحان الله قال الله : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " ، وهو الذي حيزت له الدنيا بما فيها يقول الحسن البصري : دخلت بيوت النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بحين ، دخلتها لم تتغير هي على ما هي عليه ، رفعت يدي لامست سقف المكان ، نظرت في جدرانها ، نظرت في أثاثها ، فإذا بجدرانها من الطين والجريد ، نظرتها طولاً وعرضاً ، فإذا هي لا تتعدى أمتار قليلة وهو الذي حيزت له الدنيا بما فيها ، (( يدخل عليه عمر رضي الله عنه وأرضاه ، وقد أثر الحصير على جنبه ، فيبكي عمر متأثراً ، فيقل : بأبي أنت وأمي ، أنت أحب البشر إلى الله ، وملوك فارس والروم تنعم بالوثير والحرير ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم _ مصححاً لعمر _ : يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ )) كيف تعامل مع الدنيا بأبي هو وأمي ؟ تقول عائشة : (( يمر الهلال ، ثم الهلال ، ثم الهلال ، لا توقد نار في بيوت النبوة ، قلت يا خالة ما طعامكم ؟ قالت : الأسودان التمر والماء )) ، ما شبع آل محمدٍ من خبز الشعير ثلاثة أيام متتالية ، تخبز فاطمة خبيزاً في مرة من المرات ، فتأتي إلى أبيها بكسرة خبزٍ فيأكلها ويقول : (( والله يا فاطمة أيامٌ ثلاثة لم يدخل في بطن أبيك طعام )) ، هكذا عاش الغريب بارك الله فيه ، هكذا عاش من يريد ما عند الله تبارك وتعالى ، خيره الله بين الملك والرسالة ، وبين العبودية والرسالة ، فجاءه جبريل قال : (( معي ملك الجبال يحول لك جبال مكة ذهباً وفضة ، إن شئت يا محمد جعلك الله ملكاً رسولاً ، وإن شئت جعلك عبداً رسولاً )) ، فاختار العبودية مع حمل الرسالة ، قال : (( بل عبداً رسولاً ، أشبع يوماً فأحمد الله ، وأجوع يوماً فأحمد الله )) ، فماذا غير في الأمة وبدلت من بعده ؟ يقول سعيد بن المسيب رحمه الله : لما هُدمت بيوت النبوة ، ما رأيت باكياً في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيت في ذلك اليوم ، ليتهم أبقوها حتى تأتي الأمة من مشارق الأرض ومغاربها وترى كيف كانت حياة نبيها صلى الله عليه وسلم ، هو الذي علمنا وأمرنا بالاغتراب في هذه الحياة من أعظم أسباب طول الأمل : حب الدنيا ، وهو المرض العضال الذي أعيا الأولين وأعيا الآخرين ، من أسباب طول الأمل بارك الله فيك : الجهل بحقيقة هذه الحياة ، الحقيقة التي لابد أن يعيها كل واحدٍ منا ، أننا في هذه الدنيا ضيوف ، وأننا على وشك الرحيل ، طال الزمان أو قصر كم هي مدة الضيافة ؟ الله بها عليم " أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ " فالجهل من أعظم أسباب طول الأمل ، فإن الشاب بجهله يُعَوِّلُ على شبابه ، وعلى قوته ، تناسى المسكين أن أكثر من يموت هم الشباب أرسلت إلي رسالة منذ أيام ، يقول كاتبها : خرجت في عصر هذا اليوم أهنيء جيراناً لي في مولودٍ جديد ، وأعزي الآخرين في وفاة ابنٍ من أبناءهم ، قلت : هكذا سنة الحياة ، أناسٌ تحيا ، وأناسٌ تموت ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تغييرا سبحان الله ، ندفن الموتى ، ونودع الموتى ، ولا نعتبر ، نظن أن الموت قد كتب على الآخرين ولم يكتب علينا يقول ثابت البناني : كنا إذا صرنا في جنازة ، لا نرى إلا باكياً متقنعاً ، وكنا لا ندري من نعزي لكثرة الباكين انظر في جنائزنا اليوم ، ترى الضاحكين والمبتسمين يمنةً ويسرة ، انظر في جنائزنا اليوم حتى ترى عجب العجاب ، إن لم يكن الموت يغير في طباعنا ، ويغير في سلوكنا ، ويجعلنا نستعد للقاء الله تبارك وتعالى ، فأي واعظٍ يعظنا ؟ فأي واعظٍ يعظنا إن لم يكن الموت هو الذي يغير في حياتنا ؟ فالشاب يُعَوِّلُ على شبابه ، تناسى المسكين أن أكثر من يموت هم الشباب ، حتى يموت شيخٌ واحد ، على مدى عمر هذا الشيخ ، كم يموت من الشباب والأطفال والصغار والكبار ؟ والشيخ الكبير يُعَوِّلُ على قوته ، يُعَوِّلُ على صحته ، غداً أستقيم ، غداً أرتبط بالمساجد ، إذا انتهيت من هذه السفرة ، إذا انتهيت من بناء هذا البيت ، ولا يزال المسكين يمني نفسه ، ويسوف ويؤخر حتى يأتيه الموت على حين غرة اتفق أهل العلم قاطبة على أن الموت ليس له مكانٌ معين ، ولا زمنٌ معين ، ولا عمرٌ معين ، ولا سببٌ معين ، يأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب .. متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نشاهد ذا عين اليقين حقيقةً .. وكأننا بما علمنا يقيناً نكذب إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا .. وواعظ الموت فينا كل يومٍ يندب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها .. وعل الردى مما نرتجيه أقرب جلس ثلاثةٌ يتدارسون طول الأمل ، فقال أولهم : أما أنا فأملي قصير ، قالوا : وما أَمَلُكَ أنت ؟ قال : والله ما رأيت الهلال إلا قلت : لا أدرك الهلال الذي بعده ، فقال صاحباه : تؤمل أن تعيش شهراً ؟ والله إنه لأملٌ طويل ، فقيل للثاني : وما أَمَلُكَ أنت ؟ قال : والله ما أدركت جمعة إلا قلت : لا أدرك الجمعة التي بعدها ، فقال صاحبه : تؤمل أن تعيش أسبوعاً كاملاً ؟ والله إنه لأملٌ طويل (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) فكان ابن عمر يحقق هذا واقعاً ملموساً في حياته ، فيقول : (( فإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وخذ من حياتك لموتك ، ومن صحتك لمرضك ، فإنك يا عبد الله لا تدري ماذا يكون اسمك غداً )) هذا يؤمل شهراً ، وهذا يؤمل أسبوعاً ، فقال الثالث : إن أملكم طويل ، قالوا : وما أَمَلُكَ أنت ؟ قال : والله ما أخذت نفساً إلا ظننت أني لا أرده . قال علي رضي الله عنه : أخوف ما أخاف عليكم اثنتين : طول الأمل واتباع الهوى ، أما طول الأمل فينسي الآخرة ، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا )) كان حبيب الحارثي يقول لأهله : إذا مت اليوم ، فاذهبوا إلى فلان يغسلني ، اذهبوا إلى فلان يكفنني ، اصنعوا كذا ، اصنعوا كذا ، فقيل لها : رؤيا رآها ؟ قالت : لا ، في كل يومٍ يقول مثل هذا الكلام وكان صفوان بن سليم كان رحمه الله لا يكاد يفارق المسجد أبداً ، وإذا أراد الخروج من المسجد بكى ، فقيل له : مالذي يبكيك ؟ قال : أخاف أن لا أرجع إليه مرةً ثانية وكان آخر يقول : والله ما نمت نومةً إلا ظننت أني لا أستيقظ بعدها أبداً قال سلمان الفارسي : عجبت من ثلاثة ، ضاحكٌ مؤملٌ للدنيا والموت يطلبه ، وضاحكٌ ملء فيه لا يدري ربه راضٍ عنه أو ساخطٌ عليه مر شيخ الإسلام على مجموعةٍ من الرجال والصبيان ، يضحكون ويغنون ومعهم معازف وطرب ، فقال لهم : إن كان هذا طريق الجنة فأين هو طريق النار ؟ تظهر علامات قصر الأمل في المبادرة إلى الأعمال ، في المسارعة إلى الخيرات ، يظهر قصر الأمل ، وكثيرٌ يدعي أنه قصير الأمل ، لكن الأفعال لا تصدق الأقوال ، اصدقني بالله العظيم إن كنت صادقاً أنك قصير الأمل ، أين صليت الفجر اليوم ؟ إن كنت صادقاً ، وتدعي أنك على استعداد ، وأنك تريد النجاة ، وتأخذ بالأسباب ، أين صليت الفجر اليوم ؟ في صفوف النائمين ، أم كنت في ذمة رب العالمين ؟ كثيرٌ يدعي أنه قصير الأمل ، ولكن الأفعال لا تصدق الأقوال نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم الحمد لله على إحسانه ، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، الداعي إلى رضوانه ، صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وصحبه وإخوانه ، أما بعد أحبتي .. فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ، اتقوا الله عباد الله " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ " اتصل أحد أقاربي على أهله ظهراً ، في الساعة الواحدة تماماً ، وقال لهم : إني قد استأذنت من العمل مبكراً ، فما هي طلباتكم ؟ ما هي حاجياتكم ؟ فأملوا عليه الطلبات ، نريد كذا ، ونريد كذا ، ونريد كذا ، قال : ساعةً واحدة وأكون عندكم ، مرت الساعة ، والساعة الثانية ، والثالثة ، ثلاث ساعات متتالية ، ثم الرابعة ، ولم يظهر له أثر ، قبيل المغرب بقليل ، اتصل متصلٌ من المستشفى ، يقول لأهله : عظم الله أجركم في فلان _ والله أعرفه تمام المعرفة ، وأعرف قصة هذه المكالمة _ سأصل إليكم بعد ساعةٍ واحدة ، فمرت الساعات ، ولم يظهر له أثر ، قبيل المغرب بقليل اتصل متصلٌ ، يقول لهم : عظم الله أجركم في فلان ، في ساعة خروجه من مكان عمله ارتطمت سيارته بسيارةٍ أخرى ، وفارق الحياة السؤال الذي أسالك إياه : هل كان يظن حين رفع سماعة الهاتف أنها آخر مكالمة بينه وبينهم ؟ أسألكم بالله العظيم ، هل كانوا يظنون وهم يملون عليه الطلبات أن الطلبات لن تصل ؟ بل الذي يحمل الطلبات لن يصل ؟ هل خاطبت نفسك يوماً ، وأنت تخرج في الصباح ، وقلت : لعلي لا أرجع إلى البيت مرةً ثانية ؟ هل خاطبت نفسك ليلاً ، وأنت تقول : لعلها تكون آخر ليلة في الحياة ؟ إلى متى ؟ إلام تسهو وتني .. ومعظم العمر فني فيما يضر المقتني .. ولست بالمرتدع أما ترى الشيب وخط .. وخطّ في الراس خطط ومن يلح وخط الشمط .. بفوده فقد نعي ويحك يا نفس احرصي .. على ارتياد المخلص وطاوعي وأخلصي .. واستمعي النصح وعي واعتبري بمن مضى .. من القرون وانقضى واخشي مفاجأة القضا .. وحاذري أن تخدعي وانتهجي سبل الهدى .. وادكري وشك الردى وأن مثواك غداً .. في قعر لحد بلقعِ من منا إذا أصبح حدث نفسه أنه لن يمسي ؟ ومن منا إذا أمسى حدث نفسه أنه لن يصبح ؟ نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها .. وعل الردى مما نرتجيه أقرب جلس زيد بن عبد الرحمن مع نفرٌ من أصحابه ، من بينهم غافلٌ لا يعلم بغفلته إلا الله ، فقال : يا أبا فلان ، _ والله الذي لا اله إلا هو كأنه يخاطبنا _ ، قال : يا أبا فلان ، الحال التي أنت عليها ، ترضاها للموت ؟ قال : لا ، قال : هل نويت أن تغير هذه الحال إلى حالٍ ترضاها للموت ؟ قال : ما اشتاقت نفسي بعد ، قال : وهل تضمن أن لا يأتيك ملك الموت على هذه الحال ؟ قال : لا ، قال : وهل بعد هذه الدار ، دارٌ فيها معتمد ؟ قال : لا ، قال : والله ما رأيت عاقلاً يرضى بهذه الحال أليس هذا هو حال الكثير اليوم ؟ تخلفٌ عن الصلوات ، واقترافٌ للمناهي والمحرمات ، أعمارهم تنقضي أمام شاشات وقنوات متى نعرف قيمة الأعمار ، وقيمة الأوقات ؟ " حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ " لا نعرف قيمة الأعمار ، إلا إذا انتهت الآجال ، وانقضت الأعمار ، ينادون بأعلى الصوت ، رباه ارجعون ، فلا يستجاب لهم ، حيل بينهم وبين ما يشتهون ، أنت يا ابن آدم ابن لحظاتٍ ثلاث ، لحظةٌ مضت بكل ما فيها ، كتب عليك ما كتب فيها ، إما لك وإما عليك ، ولحظةٌ قادمة ، لا تدري تدركها أو لا تدركها ، فأنت لست من أهلها ، ولحظةٌ تحياها ، أنت ابن تلك اللحظة ، اللحظة التي ذهبت سطرت بكل ما فيها ، واللحظة القادمة أنت لا تدري تكن من أهلها أو لا تكون ، أنت ابن الآن ، أنت ابن اللحظة التي تحياها الآن فمتى ستتوب ؟ متى سنتتظم في صفوف المصلين ؟ متى ستكون من أهل القران ؟ متى ستتعود على الصيام والقيام ؟ يقول الحسن البصري : إن أقواماً غرتهم الحياة الدنيا ، فخرجوا منها بلا رصيد ، خرجوا منها بلا رصيدٍ من الحسنات ، يقولون : إننا نحسن الظن بالله ، قال : كذبوا ، كذبوا ، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ، لكن ، " ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " فإذا علمنا أن السبب هو الجهل ندفعه بالعلم ، العلم بالآخرة ، " اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ " ، " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ " ، الجهل يدفع بالعلم ، في مجالس الصالحين وفي مجالس الذكر يدفع الجهل والغفلة التي يحياها كثيرٌ من الناس عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل أهل الجنة الجنة ، ودخل أهل النار النار ، جيء بالموت على صورة كبشٍ أقرنٍ أملح بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة تعرفون هذا ؟ فيشرئبون فينظرون يقولون : نعرفه ، هذا هو الموت ، ثم ينادى بأهل النار ، يا أهل النار تعرفون هذا ؟ فيشرئبون فينظرون يقولون : نعم نعرفه ، هذا الموت ، فيؤمر به فيذبح بين الجنة والنار _ حتى الموت سوف يموت _ فيؤمر به فيذبح ، ثم ينادى بأهل الجنة ، يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت ، وينادى بأهل النار ، يا أهل النار خلودٌ فلا موت )) ثم قرأ صلى الله عليه وسلم : " وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ " فالجهل يدفع بالعلم ، والشيء يدفع بضده ، أما حب الدنيا فهو المرض العضال ، الذي أعيا الأولين وأعيا الآخرين ، ولا علاج له إلا الإيمان بالله وباليوم الآخر ، ولا علاج لإخراج هذا المرض العضال إلا الإيمان بالله وباليوم الآخر ، ألا إني نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها ، فإنها تذكركم بالآخرة يقول الناظم عن الدنيا : وإن هدمت فزدها أنت هدماً .. وحصن أمر دينك ما استطعتا ولا تحزن على ما فات منها .. إذا ما أنت في أخراك فزتا أراك تحب الدنيا وهى ذات غدرٍ .. أبَتّ طَلاقَها العقلاء بتّا وتطعمك الطعام وعما قليلٍ .. سَتَطعم منك ما منها طعمتا تفر من الهجير وتتقيه .. فهلا من جهنم قد فررتا فإنك لا تطيق أهونها عذاباً .. ولو كنت الحديد بها لذبتا اتقوا الله عباد الله ، الذي يحدث في بلاد المسلمين يمنةً ويسرة ، لابد له من وقفة ومراجعة حسابات يرضيك الذي يحدث لإخواننا في فلسطين ؟ يرضيك ما يحدث هناك ؟ تهدم بيوتهم ، أنا وأنت نصبح على طعامٍ وشراب ، وبين أهلينا وصغارنا ، وهم يصبحون ويمسون على أصوات المدافع والدبابات ! يرضيك ؟ ليس العجب ما يحدث هناك ، والله ليس عجب ما يحدث هناك ، ما يحدث هناك بفعل اليهود ولا عجب ، لكن الذي يحدث الصمت المطبق على العالم ، بلا استنكار وبلا تشجيب ، العجب غفلتنا عما يحدث لهم هناك ، العجب تفكك البنيان الذي كان في يومٍ من الأيام جسداً واحداً القدس بصوت الحزن تنادي : أيا عرب أأنتم قولٌ والعمل صعب المنال ؟ أين عمر ؟ أين صلاح الدين ؟ أين هؤلاء الأبطال ؟ أين من يحمي أغصان شجرة الزيتون من أفعالٍ نجستها أسوأ الأفعال ؟ أين من يحمي أطفالاً في حضون أمهاتهم ، ربما كانوا في الغد من سادة الأجيال ؟ هل تفكك بنيانٌ يشد بعضه بعضاً ؟ أين أنتم يا عرب القول ؟ أين أنتم ، أم أنتم شعبٌ تخافون القتال ؟ هل تفكك بنيانٌ يشد بعضه بعضاً ، أم سقط النسر من أعالي الجبال ؟ لا عجب ما يحدث هناك ، لكن العجب من أحوال المسلمين ، لا تتغير ولا تتبدل ، أفيقوا ، أفيقوا ، أفيقوا يا رقود ، قبل أن ننادي بأعلى الصوت فلا يستجاب لنا ، إن السكوت عن مآسيهم إثمٌ آخر تتحمله الأمة من أدناها إلى أقصاها ، إن السكوت وعدم التعاطف مع ما يحدث هناك إثمٌ يتحمله الجميع بدون استثناء ، أليس ما يحدث هناك بسبب تقصيرنا نحن ؟ إن كنا نظن أننا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، لكنها الغفلة وطول الأمل " وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا " أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يردنا إليه رداً جميلاً ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، اللهم حبب إلينا الإيمان ، وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا يا ربنا من الراشدين ، اللهم ارفع عن إخواننا في العراق وفي فلسطين ، وفي الشيشان وكشمير ، وفي الفلبين وأفغانستان ، اللهم رحماك بالشيوخ الركع ، والأطفال الرضع ، والبهائم الرتع ، اللهم كن لهم عوناً وظهيراً ، ومؤيداً ونصيراً ، اللهم قل الناصر وقل المعين ، اللهم آثرهم ولا تؤثر عليهم ، اللهم زدهم ولا تنقصهم ، أكرمهم ولا تهنهم يا رب العالمين ، اللهم انصر من نصرهم ، واخذل من خذلهم يا رب العالمين ، اللهم عليك باليهود الغاصبين ، والنصارى الحاقدين ، والوثنيين وأعداء الملة والدين ، ندرأ بك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم ، اللهم اشدد وطأتك عليهم ، إنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز ، اللهم رد الشباب والشيب إليك رداً جميلاً يا رب العالمين ، طهر بيوتنا من الشاشات والقنوات ، وأسواقنا من الفواحش والمنكرات ، واملأ مساجدنا وبيوتك يا رب العالمين بالمصلين والمصليات عباد الله ، " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، " وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ "


fatoom
fatoom
مشرفة
مشرفة

عدد المساهمات : 1247
نقاط : 8273
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 11/02/2012

خاص للزوار
تردد1:
 طول الأمل .. Left_bar_bleue0/0 طول الأمل .. Empty_bar_bleue  (0/0)
أسألة الزوار:
 طول الأمل .. Left_bar_bleue50/50 طول الأمل .. Empty_bar_bleue  (50/50)
ddddddkkkkkkk:

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى