إياكم والغلو
صفحة 1 من اصل 1
إياكم والغلو
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإياكم والغلو: كلمة جامعة من جوامع كلم النبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي اختصه الله بها من بين الأنبياء، قال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ» (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المبالغة في أمر والتشديد فيه بما لم يأتِ في الشرع، بل قصر أسباب الهلاك عليه فيمن سبقنا.
وحذر -صلى الله عليه وسلم- من الغلو فيه شخصيًا، والمبالغة في مدحه وإطرائه، فقال: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عبدُ الله ورسولُه» (رواه البخاري).
فإذا كان الغلو منهيًا عنه في شخص النبي -صلى الله عليه وسلم-، فغيره مِن الخلق أولى بالنهي عن الغلو فيه، وقد علمنا ما فعله الغلو في قوم نوح -عليه السلام- في صالحيهم: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، الذين زين الشيطان لأتباعهم أن يصنعوا التماثيل لهم، وأن ينصبوها في مجالسهم، لتذكرهم بصلاحهم وعبادتهم وعلمهم، ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت، كما روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وقد وقع في الأمة من الغلو في أصناف ثلاثة ما أدى إلى أعظم أنواع المفاسد:
الصنف الأول: الغلو في العلماء: حتى قدمت آراؤهم على نصوص الوحي، فأدى ذلك إلى التعصب المذموم، بل إلى تحريف الدين، وإذا كان ابن عباس يقول لعروة بن الزبير لما عارض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتمتع بالحج بقوله: قال أبو بكر وعمر خلافه. فقال ابن عباس: "توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول لكم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقولون قال أبو بكر وعمر !".
الصنف الثاني: العباد والزهاد: وقد وقع الغلو فيهم بالبدع، خاصة فيما يتعلق بالتبرك بآثارهم وتعظيمهم، واتخاذ المساجد على قبورهم، حتى وصل الأمر إلى دعائهم وعبادتهم من دون الله!
الصنف الثالث: الحكام والملوك والسلاطين: وقد وقع الغلو فيهم حتى قدمت طاعتهم على طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبالمبالغة بالثناء عليهم حتى صاروا في الناس كالآلهة، فأذاقوا الناس ألوان العذاب والشقاء، وصناعة الأصنام في الأمة خطر عظيم لا بد من الحذر منه.
قال ابن المبارك:
وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها
فذكر الأصناف الثلاثة الذين إذا فسدوا فسد الناس، ولو كان الغلو في الصالحين من الأصناف الثلاثة لكان هلاكًا، فكيف إذا كان في ملوك وحكام ظلمة، وعلماء سوء فسقة، وعباد فاسدين جاهلين؟!
التعصب الممقوت يفسد القلوب، ويغيِّر النيات والمقاصد، ويعمي عن العيوب، ويمنع الإنصاف، ويضيع أدب الخلاف، وفي الأثر: "حبك الشيء يعمي ويصم"، فقد رأينا كيف أدى التعصب في العصور المتأخرة إلى الانحطاط والتأخر الذي انتهى إلى احتلال الأعداء لبلاد المسلمين، حين انتشرت الخرافة وضاع الدليل، وعم الظلم، وتشاحنت القلوب عند الاختلاف، ولم تتسع لما اتسعت له صدور سلفنا الصالح في أمور الاجتهاد التي لا تخالف البينات، وإنما وقع الذم لمن خالف البينات، وهو نص كتاب أو سنة أو إجماع، قال -تعالى-: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105].
وفي صحيح البخاري عن ابن الزبير -رضي الله عنه-: «أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ القَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلا خِلاَفِي، قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1]، حتى انقضت الآية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:5]. وفي رواية عن ابن أبي مليكة: "كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا...» (رواه البخاري).
فلنتأمل خلافًا بين أفضل الصحابة على الإطلاق أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في تقييم الأشخاص، وتوليتهم الولايات، وهما مَن هما في القدرة على قيادة الأمة، كاد أن يكون سببًا في هلاكهما لما ارتفعت أصواتهما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد ظهرت نذر شر وسوء من بعض الأصوات التي تقع في الغلو والتعصب، ولا بد أن نحذر منه، كمن يدعو باللعنة على مَن خالف رأيه في تولية شخص بعينه أو يخبر بأن مَن لا يناصره فهو لا يناصر الدين، وربما قاس ذلك على مَن عرف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من اليهود وكفر به، قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]، وغير ذلك مِن صورٍ تُصادِر الاجتهاد، وتتهم المخالف بأنواع التهم التي يخشى أن تصيب من يتهم بها غيره، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ العَبْدَ إِذا لَعَنَ شَيْئًا صَعَدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّماءِ فتغْلَقُ أبْوابَ السَّماءِ دُونَها ثمَّ تَهْبِطُ إِلَى الأَرْضِ فتُغْلَقُ أبْوابُها دُونَها ثمَّ تأخُذُ يَمِينًا وشِمالاً فَإِذا لم تَجِدُ مَساغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ فإنْ كانَ لِذلك أهْلاً وإلاّ رَجَعَتْ إِلَى قائِلها» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
فلتتسع صدورنا لأمور الاجتهاد، ولنسع لتحصيل البصيرة، لنوفق إلى المواقف الصائبة عند الاختلاف.
فاللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
فإياكم والغلو: كلمة جامعة من جوامع كلم النبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي اختصه الله بها من بين الأنبياء، قال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ» (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المبالغة في أمر والتشديد فيه بما لم يأتِ في الشرع، بل قصر أسباب الهلاك عليه فيمن سبقنا.
وحذر -صلى الله عليه وسلم- من الغلو فيه شخصيًا، والمبالغة في مدحه وإطرائه، فقال: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عبدُ الله ورسولُه» (رواه البخاري).
فإذا كان الغلو منهيًا عنه في شخص النبي -صلى الله عليه وسلم-، فغيره مِن الخلق أولى بالنهي عن الغلو فيه، وقد علمنا ما فعله الغلو في قوم نوح -عليه السلام- في صالحيهم: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، الذين زين الشيطان لأتباعهم أن يصنعوا التماثيل لهم، وأن ينصبوها في مجالسهم، لتذكرهم بصلاحهم وعبادتهم وعلمهم، ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت، كما روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وقد وقع في الأمة من الغلو في أصناف ثلاثة ما أدى إلى أعظم أنواع المفاسد:
الصنف الأول: الغلو في العلماء: حتى قدمت آراؤهم على نصوص الوحي، فأدى ذلك إلى التعصب المذموم، بل إلى تحريف الدين، وإذا كان ابن عباس يقول لعروة بن الزبير لما عارض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتمتع بالحج بقوله: قال أبو بكر وعمر خلافه. فقال ابن عباس: "توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول لكم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقولون قال أبو بكر وعمر !".
الصنف الثاني: العباد والزهاد: وقد وقع الغلو فيهم بالبدع، خاصة فيما يتعلق بالتبرك بآثارهم وتعظيمهم، واتخاذ المساجد على قبورهم، حتى وصل الأمر إلى دعائهم وعبادتهم من دون الله!
الصنف الثالث: الحكام والملوك والسلاطين: وقد وقع الغلو فيهم حتى قدمت طاعتهم على طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبالمبالغة بالثناء عليهم حتى صاروا في الناس كالآلهة، فأذاقوا الناس ألوان العذاب والشقاء، وصناعة الأصنام في الأمة خطر عظيم لا بد من الحذر منه.
قال ابن المبارك:
وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها
فذكر الأصناف الثلاثة الذين إذا فسدوا فسد الناس، ولو كان الغلو في الصالحين من الأصناف الثلاثة لكان هلاكًا، فكيف إذا كان في ملوك وحكام ظلمة، وعلماء سوء فسقة، وعباد فاسدين جاهلين؟!
التعصب الممقوت يفسد القلوب، ويغيِّر النيات والمقاصد، ويعمي عن العيوب، ويمنع الإنصاف، ويضيع أدب الخلاف، وفي الأثر: "حبك الشيء يعمي ويصم"، فقد رأينا كيف أدى التعصب في العصور المتأخرة إلى الانحطاط والتأخر الذي انتهى إلى احتلال الأعداء لبلاد المسلمين، حين انتشرت الخرافة وضاع الدليل، وعم الظلم، وتشاحنت القلوب عند الاختلاف، ولم تتسع لما اتسعت له صدور سلفنا الصالح في أمور الاجتهاد التي لا تخالف البينات، وإنما وقع الذم لمن خالف البينات، وهو نص كتاب أو سنة أو إجماع، قال -تعالى-: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105].
وفي صحيح البخاري عن ابن الزبير -رضي الله عنه-: «أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ القَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلا خِلاَفِي، قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1]، حتى انقضت الآية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:5]. وفي رواية عن ابن أبي مليكة: "كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا...» (رواه البخاري).
فلنتأمل خلافًا بين أفضل الصحابة على الإطلاق أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في تقييم الأشخاص، وتوليتهم الولايات، وهما مَن هما في القدرة على قيادة الأمة، كاد أن يكون سببًا في هلاكهما لما ارتفعت أصواتهما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد ظهرت نذر شر وسوء من بعض الأصوات التي تقع في الغلو والتعصب، ولا بد أن نحذر منه، كمن يدعو باللعنة على مَن خالف رأيه في تولية شخص بعينه أو يخبر بأن مَن لا يناصره فهو لا يناصر الدين، وربما قاس ذلك على مَن عرف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من اليهود وكفر به، قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]، وغير ذلك مِن صورٍ تُصادِر الاجتهاد، وتتهم المخالف بأنواع التهم التي يخشى أن تصيب من يتهم بها غيره، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ العَبْدَ إِذا لَعَنَ شَيْئًا صَعَدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّماءِ فتغْلَقُ أبْوابَ السَّماءِ دُونَها ثمَّ تَهْبِطُ إِلَى الأَرْضِ فتُغْلَقُ أبْوابُها دُونَها ثمَّ تأخُذُ يَمِينًا وشِمالاً فَإِذا لم تَجِدُ مَساغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ فإنْ كانَ لِذلك أهْلاً وإلاّ رَجَعَتْ إِلَى قائِلها» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
فلتتسع صدورنا لأمور الاجتهاد، ولنسع لتحصيل البصيرة، لنوفق إلى المواقف الصائبة عند الاختلاف.
فاللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
fatoom- مشرفة
- عدد المساهمات : 1247
نقاط : 8481
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 11/02/2012
خاص للزوار
تردد1:
(0/0)
أسألة الزوار:
(50/50)
ddddddkkkkkkk:
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى