منهج الإصلاح بين الدعوة والسياسة
صفحة 1 من اصل 1
منهج الإصلاح بين الدعوة والسياسة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالإصلاح دعوى عريضة يدعيها كل أحد، حتى المفسدين فسادًا بينًا، كما قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } [البقرة:11].
ونكتة الأمر أن أمر الإصلاح هو إعادة الأمر إلى الصلاح، ومِن ثَمَّ تكون معرفة الصلاح هي الأصل الأصيل لعملية الإصلاح التي يمكن تحديد عناصرها في أمور ثلاثة:
الأول: توصيف الحالة القياسية التي ينبغي أن يكون عليها الشيء المراد إصلاحه "فردًا - مجتمعًا - آلة... إلخ".
الثاني: تحديد جوانب الانحراف في الشيء المراد إصلاحه عن الصورة القياسية.
الثالث: وجود خطة للوصول بهذا الشيء إلى تلك الصورة القياسية.
ومِن هنا تعلم أن الخلاف الأصيل بين أصحاب الدعوات الإصلاحية إنما يرجع إلى اختلافهم في تحديد المصدر الذي يستقون منه تصوراتهم عن الصلاح.
ومِن هنا ينقسم الناس في ذلك إلى فريقين:
الأول: الإسلاميون الذين يَرون أن صلاح الفرد والمجتمع مرهون بتطبيق الشريعة الإسلامية التي في اتباعها الخير والصلاح، والتي توعد الله مَن أعرض عنها بقوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]، وهذا لا يعني أن هذا الفريق يعرض عن الخبرات الإنسانية في مجالات العلوم الكونية، بل ولا الإنسانية؛ لأن الشريعة جاءت مجملة في كثير مِن الأحيان، وتركت التفاصيل للاجتهادات البشرية المنضبطة بالإطار العام للشريعة.
الثاني: العلمانيون على اختلاف مشاربهم مِن الاشتراكية، إلى الرأسمالية، إلى الليبرالية، إلى الفوضوية، إلى غيرها مِن الطرق التي يظنها أصحابها صلاحًا. والقاسم المشترك بيْن هؤلاء هو: أنهم يَرجعون في تصوراتهم لصلاح الفرد والمجتمع إلى التجارب البشرية، ويرفضون الرجوع إلى الشريعة الإسلامية؛ ظنًا منهم أنها مجرد علاقة خاصة بين العبد وربه، وليس فيها شرائع لتنظيم المجتمع! وهو قول لا يتصور صدوره عمن قرأ القرآن، ولو مرة في حياته. أو كفرًا منهم بصلاحية ما في الشريعة مِن أحكام. وعلى أي، فهم متأثرون فيما يذهبون إليه مِن تصورات بأوروبا، وتجربتها بين العلمانية وبين الشريعة النصرانية المحرفة.
إذن فالذي يميزنا نحن معشر الإسلاميين هو: أننا نعتقد أن الشريعة هي الصلاح، ولا نلجأ إلى تجاربنا البشرية إلا في الأمور التي أحالتنا الشريعة فيها على تلك التجارب، وهذا هو مصدر معرفتنا بالصلاح الذي هو أهم خطوات الإصلاح.
وأما وسائل هذا الإصلاح؛ فتأتي عن طريق تعليم الناس، وتعريفهم بهذا الصلاح، فكثير ممن ينحرف عن الصلاح يكون سبب انحرافه هو الجهل إما بمصدر الصلاح: كحال العلمانيين -كما قدمنا-، وإما بتفاصيله: كحال كثير مِن الناس ممن يؤمنون بأن الخير كل الخير في تطبيق شريعة الرحمن في حين أنهم يجهلونها، ولكن التعليم وحده لا يكفي، فإن كثيرًا ممن يخالفون الشريعة يخالفونها بعد علمهم بها؛ بسبب الهوى، ومِن ثَمَّ فلا بد بالإضافة إلى العلم من التربية.
وبهذين الأمرين: "الدعوة والتربية" نتغلب على عقبات تطبيق الشريعة، وهما: "الجهل والهوى"، الذين جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ، وَمُضِلاتِ الْفِتَنِ»(رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني).
وهنا تثور قضية "الممكن والمطلوب"؛ فلا شك أن تطبيق الشريعة كاملة غير منقوصة هو المطلوب، ولا شك أن كل خطوة تنقل بها واقعًا سيئًا إلى واقع أقل سوءًا هو خطوة إيجابية يجب الترحيب بها، ولكن الآفة الكبرى التي أصابت بعض العاملين في حقل الدعوة الإسلامية أن يحاول أن يجعل الممكن هو عين المطلوب، وهذا يمثل تحريفًا للشريعة، وتضييعًا لثوابتها، وإخضاعًا لها تحت سلطان الواقع.
ولتوضيح ذلك نضرب هذا المثل: هب أن جماعة مِن الغرقى في بحر متلاطم الأمواج، فالمسلك الصحيح لإنقاذهم هو وضع منارات واضحة على شاطئ النجاة، ثم النزول إليهم بقوارب الإنقاذ، وكل مَن استطعنا نقله خطوة نحو الشاطئ؛ فهو أمر حَسن، وأما مَن يمتنع عن ذلك بحجة أن هذه الخطوة لن ترفع عنه الخطر بالكلية؛ فهو مخطئ، وكذلك مَن ادعى أن النجاة التامة قد حصلت بمجرد هذه الخطوة؛ فهو مخطئ.
إذن فميدان العلم والدعوة هو ميدان بيان تلك المنارة -أي الشريعة الكاملة-، وميدان التربية هو ميدان "قوارب النجاة"، ودفع الناس باتجاه المنارة، ونقلهم خطوة خطوة نحو شاطئ النجاة.
ونترك هذه القضية جانبًا بعض الشيء لنعرِّج على موقع العمل السياسي من منهج الإصلاح الشرعي، فنقول: إن الدعوة إلى الخير قد تُواجه برفض تام -ولا يضرها ذلك-، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ» (متفق عليه)، وقد تجد قبولاً تامًا كما قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ . فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:147-148].
وقد يكون الأمر بيْن هذا وذاك، وفي مرحلة قبول ما لمنهجك الإصلاحي يطلب منك الجمهور أن تتولى أنت بنفسك تطبيق ما تراه وما تدعو إليه، وصور هذا كثيرة، منها: أن ينتدبك أهل الحي لكي تؤمهم في الصلاة أو تخطب بهم الجمعة، ومنه في صورة العمل السياسي المعاصر: أن ينتدبوك كي تصبح رئيسًا عليهم أو وزيرًا في حكومة، أو عضوًا في البرلمان أو عضوًا في المجلس المحلي مثلاً.
وفي كل هذه الحالات تكون الصورة الصحيحة هو أنك بدأت بالدعوة فاقتنع الناس بدعوتك، ومِن تمام اقتناعهم أنهم يفوضونك في تطبيق ما تدعو إليه؛ إلا أنه قد يحصل في بعض الأحيان -لا سيما في حالة الإسلاميين- أن يكون اقتناع الجمهور بأمانة الداعي لا بمنهجه، أو أن يكون اقتناعهم بمنهجه جزئيًا لا كليًا؛ فهم يريدون الشريعة التي تُحارب الفساد، وتمنع نهب المال العام، ولكن لكل منهم مساحة شهوات لا يريد ممن يسعى إلى تطبيق الشريعة أن يقترب منها، وحينئذٍ تحصل أنواع من المساومات؛ لا سيما مع إلحاح وسائل الإعلام على الجمهور بأن الشريعة سوف تصادم بعض أهوائهم، ولهم في ذلك مسالك بيَّنتُ بعضها في مقالة: "أسئلة مفخخة وأجوبة قاطعة"، و"الإعلام من دوامة الصمت إلى دوامة الكذب".
وعبر هذه الرسائل الإبليسية يحوِّل الإعلام المخاوف المحدودة لدى البعض من الشريعة إلى إرهاب ورعب، وإزاء هذه الحرب الشرسة قَبِلت بعض الحركات الإسلامية بمبدأ "السكوت عن بعض الشريعة"، تحول إلى تنازل عن بعض أحكامها؛ حتى وصل عند بعضهم إلى ما أسمته دوائر غربية: بأنهم يريدون نظامًا علمانًيا بنكهة إسلامية!
وإزاء هؤلاء حصل نوع مِن تقاسم الأدوار بيْن العلمانيين بيْن مرحب بهذا التنازل، الذي أسموه اعتدالاً! وبين مستثمرٍ لهذا الأمر أسوأ استثمار؛ واصفًا أصحاب هذا التنازل بالانتهازية السياسية، والميكيافلية... إلى آخره.
والمتأمل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى في بداية دعوته قائلاً: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر:94-95]، والذي جمع بين بيان الحق وتربية الناس على قبوله، والمتأمل في تجارب الحركات الإسلامية التي أشرنا إليها؛ يتأكد لديه أنه لا بد مِن الوضوح والنقاء والشفافية، مع عدم تخطي السنن الكونية، وأن أية وسيلة دعوية -ومنها العمل السياسي- إن دعمت الدعوة إلى الحق دعمًا كاملاً وتطبيق الممكن منه؛ فهي وسيلة مُكملة ومعضدة، وداعمة للمنهج الإصلاحي الشامل.
وأن كل وسيلة يظن أصحابها -أو يتوهمون- أنه لا يمكن سلوكها إلا بالحيدة عن قول الحق -الذي يؤدي في معظم الأحيان إلى قول الباطل- سوف تمثل خَصمًا مِن رصيد تلك الدعوة الإصلاحية الشاملة.
فالإصلاح دعوى عريضة يدعيها كل أحد، حتى المفسدين فسادًا بينًا، كما قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } [البقرة:11].
ونكتة الأمر أن أمر الإصلاح هو إعادة الأمر إلى الصلاح، ومِن ثَمَّ تكون معرفة الصلاح هي الأصل الأصيل لعملية الإصلاح التي يمكن تحديد عناصرها في أمور ثلاثة:
الأول: توصيف الحالة القياسية التي ينبغي أن يكون عليها الشيء المراد إصلاحه "فردًا - مجتمعًا - آلة... إلخ".
الثاني: تحديد جوانب الانحراف في الشيء المراد إصلاحه عن الصورة القياسية.
الثالث: وجود خطة للوصول بهذا الشيء إلى تلك الصورة القياسية.
ومِن هنا تعلم أن الخلاف الأصيل بين أصحاب الدعوات الإصلاحية إنما يرجع إلى اختلافهم في تحديد المصدر الذي يستقون منه تصوراتهم عن الصلاح.
ومِن هنا ينقسم الناس في ذلك إلى فريقين:
الأول: الإسلاميون الذين يَرون أن صلاح الفرد والمجتمع مرهون بتطبيق الشريعة الإسلامية التي في اتباعها الخير والصلاح، والتي توعد الله مَن أعرض عنها بقوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]، وهذا لا يعني أن هذا الفريق يعرض عن الخبرات الإنسانية في مجالات العلوم الكونية، بل ولا الإنسانية؛ لأن الشريعة جاءت مجملة في كثير مِن الأحيان، وتركت التفاصيل للاجتهادات البشرية المنضبطة بالإطار العام للشريعة.
الثاني: العلمانيون على اختلاف مشاربهم مِن الاشتراكية، إلى الرأسمالية، إلى الليبرالية، إلى الفوضوية، إلى غيرها مِن الطرق التي يظنها أصحابها صلاحًا. والقاسم المشترك بيْن هؤلاء هو: أنهم يَرجعون في تصوراتهم لصلاح الفرد والمجتمع إلى التجارب البشرية، ويرفضون الرجوع إلى الشريعة الإسلامية؛ ظنًا منهم أنها مجرد علاقة خاصة بين العبد وربه، وليس فيها شرائع لتنظيم المجتمع! وهو قول لا يتصور صدوره عمن قرأ القرآن، ولو مرة في حياته. أو كفرًا منهم بصلاحية ما في الشريعة مِن أحكام. وعلى أي، فهم متأثرون فيما يذهبون إليه مِن تصورات بأوروبا، وتجربتها بين العلمانية وبين الشريعة النصرانية المحرفة.
إذن فالذي يميزنا نحن معشر الإسلاميين هو: أننا نعتقد أن الشريعة هي الصلاح، ولا نلجأ إلى تجاربنا البشرية إلا في الأمور التي أحالتنا الشريعة فيها على تلك التجارب، وهذا هو مصدر معرفتنا بالصلاح الذي هو أهم خطوات الإصلاح.
وأما وسائل هذا الإصلاح؛ فتأتي عن طريق تعليم الناس، وتعريفهم بهذا الصلاح، فكثير ممن ينحرف عن الصلاح يكون سبب انحرافه هو الجهل إما بمصدر الصلاح: كحال العلمانيين -كما قدمنا-، وإما بتفاصيله: كحال كثير مِن الناس ممن يؤمنون بأن الخير كل الخير في تطبيق شريعة الرحمن في حين أنهم يجهلونها، ولكن التعليم وحده لا يكفي، فإن كثيرًا ممن يخالفون الشريعة يخالفونها بعد علمهم بها؛ بسبب الهوى، ومِن ثَمَّ فلا بد بالإضافة إلى العلم من التربية.
وبهذين الأمرين: "الدعوة والتربية" نتغلب على عقبات تطبيق الشريعة، وهما: "الجهل والهوى"، الذين جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ، وَمُضِلاتِ الْفِتَنِ»(رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني).
وهنا تثور قضية "الممكن والمطلوب"؛ فلا شك أن تطبيق الشريعة كاملة غير منقوصة هو المطلوب، ولا شك أن كل خطوة تنقل بها واقعًا سيئًا إلى واقع أقل سوءًا هو خطوة إيجابية يجب الترحيب بها، ولكن الآفة الكبرى التي أصابت بعض العاملين في حقل الدعوة الإسلامية أن يحاول أن يجعل الممكن هو عين المطلوب، وهذا يمثل تحريفًا للشريعة، وتضييعًا لثوابتها، وإخضاعًا لها تحت سلطان الواقع.
ولتوضيح ذلك نضرب هذا المثل: هب أن جماعة مِن الغرقى في بحر متلاطم الأمواج، فالمسلك الصحيح لإنقاذهم هو وضع منارات واضحة على شاطئ النجاة، ثم النزول إليهم بقوارب الإنقاذ، وكل مَن استطعنا نقله خطوة نحو الشاطئ؛ فهو أمر حَسن، وأما مَن يمتنع عن ذلك بحجة أن هذه الخطوة لن ترفع عنه الخطر بالكلية؛ فهو مخطئ، وكذلك مَن ادعى أن النجاة التامة قد حصلت بمجرد هذه الخطوة؛ فهو مخطئ.
إذن فميدان العلم والدعوة هو ميدان بيان تلك المنارة -أي الشريعة الكاملة-، وميدان التربية هو ميدان "قوارب النجاة"، ودفع الناس باتجاه المنارة، ونقلهم خطوة خطوة نحو شاطئ النجاة.
ونترك هذه القضية جانبًا بعض الشيء لنعرِّج على موقع العمل السياسي من منهج الإصلاح الشرعي، فنقول: إن الدعوة إلى الخير قد تُواجه برفض تام -ولا يضرها ذلك-، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ» (متفق عليه)، وقد تجد قبولاً تامًا كما قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ . فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:147-148].
وقد يكون الأمر بيْن هذا وذاك، وفي مرحلة قبول ما لمنهجك الإصلاحي يطلب منك الجمهور أن تتولى أنت بنفسك تطبيق ما تراه وما تدعو إليه، وصور هذا كثيرة، منها: أن ينتدبك أهل الحي لكي تؤمهم في الصلاة أو تخطب بهم الجمعة، ومنه في صورة العمل السياسي المعاصر: أن ينتدبوك كي تصبح رئيسًا عليهم أو وزيرًا في حكومة، أو عضوًا في البرلمان أو عضوًا في المجلس المحلي مثلاً.
وفي كل هذه الحالات تكون الصورة الصحيحة هو أنك بدأت بالدعوة فاقتنع الناس بدعوتك، ومِن تمام اقتناعهم أنهم يفوضونك في تطبيق ما تدعو إليه؛ إلا أنه قد يحصل في بعض الأحيان -لا سيما في حالة الإسلاميين- أن يكون اقتناع الجمهور بأمانة الداعي لا بمنهجه، أو أن يكون اقتناعهم بمنهجه جزئيًا لا كليًا؛ فهم يريدون الشريعة التي تُحارب الفساد، وتمنع نهب المال العام، ولكن لكل منهم مساحة شهوات لا يريد ممن يسعى إلى تطبيق الشريعة أن يقترب منها، وحينئذٍ تحصل أنواع من المساومات؛ لا سيما مع إلحاح وسائل الإعلام على الجمهور بأن الشريعة سوف تصادم بعض أهوائهم، ولهم في ذلك مسالك بيَّنتُ بعضها في مقالة: "أسئلة مفخخة وأجوبة قاطعة"، و"الإعلام من دوامة الصمت إلى دوامة الكذب".
وعبر هذه الرسائل الإبليسية يحوِّل الإعلام المخاوف المحدودة لدى البعض من الشريعة إلى إرهاب ورعب، وإزاء هذه الحرب الشرسة قَبِلت بعض الحركات الإسلامية بمبدأ "السكوت عن بعض الشريعة"، تحول إلى تنازل عن بعض أحكامها؛ حتى وصل عند بعضهم إلى ما أسمته دوائر غربية: بأنهم يريدون نظامًا علمانًيا بنكهة إسلامية!
وإزاء هؤلاء حصل نوع مِن تقاسم الأدوار بيْن العلمانيين بيْن مرحب بهذا التنازل، الذي أسموه اعتدالاً! وبين مستثمرٍ لهذا الأمر أسوأ استثمار؛ واصفًا أصحاب هذا التنازل بالانتهازية السياسية، والميكيافلية... إلى آخره.
والمتأمل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى في بداية دعوته قائلاً: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر:94-95]، والذي جمع بين بيان الحق وتربية الناس على قبوله، والمتأمل في تجارب الحركات الإسلامية التي أشرنا إليها؛ يتأكد لديه أنه لا بد مِن الوضوح والنقاء والشفافية، مع عدم تخطي السنن الكونية، وأن أية وسيلة دعوية -ومنها العمل السياسي- إن دعمت الدعوة إلى الحق دعمًا كاملاً وتطبيق الممكن منه؛ فهي وسيلة مُكملة ومعضدة، وداعمة للمنهج الإصلاحي الشامل.
وأن كل وسيلة يظن أصحابها -أو يتوهمون- أنه لا يمكن سلوكها إلا بالحيدة عن قول الحق -الذي يؤدي في معظم الأحيان إلى قول الباطل- سوف تمثل خَصمًا مِن رصيد تلك الدعوة الإصلاحية الشاملة.
fatoom- مشرفة
- عدد المساهمات : 1247
نقاط : 8481
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 11/02/2012
خاص للزوار
تردد1:
(0/0)
أسألة الزوار:
(50/50)
ddddddkkkkkkk:
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى