الحب داء وحب الله أطيب دواء
صفحة 1 من اصل 1
الحب داء وحب الله أطيب دواء
[size=24][size=21]الحب داء وحب الله أطيب دواء
هل سمعتم عن عُقَارٍ خلقه الله سبحانه وتعالى هو داء للإنسان ودواء له في وقت واحد.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى هذا العقار. إنه الحب.
الحب جعله الله سبحانه وتعالى دواءً لمشكلات ومصائب الإنسان وجعله في الوقت ذاته داءً يتسبب عنه الكثير من مصائب تتوضع في كيان الإنسان.
إذا اتجه القلب بالحب إلى الرغائب والشهوات الدنيوية، إذا اتجه القلب بالحب إلى العصبية للذات وللنفس، إذا اتجه القلب بالحب إلى رغبات الأهواء، الرئاسة، الشهرة، جمع كنوز المال فإن الحب في هذه الحالة يغدو داءً وبيلاً من أخطر الأدواء التي تتوضع في كيان الإنسان فرداً ومجتمعاً.
أما إن تَوَجَّهَ الحب في فؤاد الإنسان إلى خالق الإنسان عز وجل، إلى الإله الذي بيده حياة الإنسان، بيده نفعه وضره، إلى الإله الذي يتقلب الإنسان أياً كان في بحر متلاطم الأمواج من نعمه التي لا تُحْصَى، أما إن وجَّهَ الإنسانُ قلبَهُ بالحب إلى إلهه هذا فالحب عندئذٍ دواءٌ ناجع، دواءٌ لكل المصائب التي يعاني منها الإنسان فرداً أو مجتمعاً.
ولقد أنبأنا بيان الله سبحانه وتعالى عن هذين الأثرين المتناقضين للحب، أنبأنا بيان الله سبحانه وتعالى عن الحب عندما يكون داءً وحذَّرَ منه أيَّمَا تحذير، وأنبأنا عن الحب عندما يكون دواءً وأمَرَنَا أن نتحقق به.
يقول الله سبحانه وتعالى وهو يوضح لنا وظيفة الحب عندما يكون داءً وعندما يحذِّرُنَا الله سبحانه وتعالى منه، يقول:
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة : 24].
أرأيتم كيف ينبِّهُنَا الله عز وجل إلى الداء الكامن في الحب عندما يتجه الإنسان بحبه إلى ما ليس أهلاً لحبه.
أرأيتم كيف يحذِّرُ البيان الإلهي الإنسانَ من أن ينقاد إلى هذا البلاء الوخيم، إلى هذه المصيبة بل إلى سلسلة المصائب التي تتفرع عن هذا الداء؟!
أما الحب الدواء فيلفت البيان الإلهي أنظارنا إليه قائلاً:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} [البقرة : 165]
ثم يؤكد هذا ببيان أدقَّ بل أكثرَ تفصيلاً:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة : 54].
فهذا هو الحب الذي يكون دواءً لمشكلات المسلمين أياً كانت اجتماعية أو فردية.
عباد الله: تعالوا – بعد هذا البيان الإلهي الذي كم وكم تاهَ المسلمون عنه لاسيما في هذه العصور – تعالوا نتبين مشاكلنا الراسخة في كياناتنا، إنها مشكلات كثيرة يضيق الوقت عن استعراضها وتفصيل الحديث عنها.
مشكلات تتمثل في تشرذم هذه الأمة وتفرقها.
مشكلات تتمثل في افتقارها عن غنى وما كانت يوماً ما فقيرة قط.
مشكلات تتمثل في الضعف الذي توضَّعَ في كيانها، وما كانت هذه الأمة في يومٍ من الأيام إلا مضرب المثل للقوة.
مشكلات تتمثل في الذل بعد العز، وكلنا يعلم أن تاريخ هذه الأمة ينتشي بالعزة التي متَّعَهَا الله سبحانه وتعالى بها.
هذه المشكلات – يا عباد الله – ما أكثر ما نتلاقى للحديث عنها ولتجاذب الآراء بحثاً عن علاجاتها.
كم وكم تحققت في سبيل البحث عن هذه المصائب وعلاجاتها ندواتٌ وكم تلاقى الناس في مؤتمرات، وكم وُضِعَتْ خطط ورُسِمَتْ سبل في سبيل التخلص من هذه الأمراض المتوضعة في كيان أمتنا الإسلامية جمعاء.
ولكن كل هذه الجهود لم تثمر، ولم تعد جهود المسلمين على اختلافها إلا بالخيبة وهي حقيقة ما ينبغي أن نتجاهلها.
الندوات التي عُقِدَتْ، المؤتمرات التي أقيمت، الخطط التي رُسِمَتْ في سبيل التخلص من هذه المصائب التي توضعت في كيان هذه الأمة انتهت دون أن نجد لها أي ثمرة.
ما السبب يا عباد الله؟
السبب أننا عدنا نفحص إيماننا بالله عز وجل على مستوى عقلاني فقط.
أنحن مؤمنون بالله؟ نعم نحن موقنون يقيناً عقلانياً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
أنحن موقنون بشرائع الله عز وجل وأحكامه؟ نعم نحن موقنون بذلك كله.
بحثنا عن مكان الإيمان في عقولنا ولكنا لم نبحث عن مكان هذا الإيمان في قلوبنا.
لم نبحث عن مكان هذا الإيمان في أفئدتنا التي هي مكان للعواطف الإنسانية الدافعة والرادعة والممجدة.
وكان ينبغي أن نعلم أن العقيدة لابد أن تستقر في العقل، نعم، ولكنها لا تقود صاحبها إلى تنفيذ أوامر الله عز وجل إلا بعد أن تتحول من يقينٍ عقلاني إلى وهجٍ من الحب مهيمنٍ على القلب.
لم نفحص قلوبنا ولم نتساءل عن الحب المهيمن في أفئدتنا، ولو أننا تفحصنا هذا الحب المهيمن في أفئدتنا وتساءلنا عن الاتجاه الذي يتجه إليه هذا الحب لرأينا أن إيماننا العقلاني صاعدٌ إلى الأعلى أما الحب المهيمن على أفئدتنا وقلوبنا فهابطٌ إلى الأدنى.
لو تفحصنا الحب الذي يهيمن على أفئدتنا والوجهة التي يتجه إليها لرأينا أنه متعلق بالدنيا وما أكثر أنواع ما نسيمه الدنيا.
لرأينا أن حبنا متعلق بالمال وجمعه، متعلق بالشهرة، متعلق بالرئاسة، متعلق بالعصبية للذات، متعلق بالأهواء والشهوات الجانحة.
لو أننا فحصنا أفئدتنا كما فحصنا عقولنا لنعود فنقول نحن – والله الحمد – مؤمنون بالله عز وجل لعلمنا سبب الداء الذي نعاني منه ولعلمنا مصدر المصائب المتسلسلة والمتوضعة في كيان هذه الأمة.
ما أكثر ما يُسَخَّرُ الإسلامُ له يا عباد الله لا بدافع من يقيننا العقلي وإنما بدافع من الحب الأرضي الهابط المهيمن على قلوبنا.
انظروا كم يُسَخَّرُ الإسلام لأهداف دنيوية، كم يُسَخَّرُ الإسلام لرغائبنا وأهوائنا وشهواتنا وملاذنا المهيمنة حباً على أفئدتنا وقلوبنا ولكن الإسلام لا يُسَخَّرُ لذاته، يُسَخَّرُ لكل شيء إلا أن يُسَخَّرَ لذاته.
هل سبب ذلك أننا غير مؤمنين بالله؟! لا.
نحن – ولله الحمد – مؤمنون وأستطيع أن أقول إن ملياراً ونصف مليار بل أكثر من سكان هذه البسيطة مؤمنون إيماناً عقلانياً بالله ومصطبغون اصطباغاً عقلانياً بنعمة الإسلام لله سبحانه وتعالى.
ولكن ماذا عسى أن يفيد اليقين العقلي إن لم يكن هنالك وقود الحب يدعم هذا اليقين العقلي؟
ماذا يفيد اليقين العقلي السائر ذات اليمين إذا الحب يقود صاحبه ذات اليسار؟
لن يفيد. هذا هو باختصار الداء الذي نعاني منه يا عباد الله.
وعندما يتحول الإيمان العقلاني الذي نتمتع به – ولله الحمد يقينا في عقولنا – إلى عاطفة من الحب لله عز وجل في أفئدتنا عندئذٍ تُحَلُّ كل المشكلات التي نعاني منها، عندئذٍ يتحول الخصام بين القادة والحكام إلى وئام، عندئذٍ يتحول التشرذم والتفرق إلى وحدة راسخة في كيان هذه الأمة، عندئذٍ يغيب الفقر وتعود هذه الأمة إلى ما كانت عليه من قبل من الغنى الذي ملَّكَها الله سبحانه وتعالى إياه، عندئذٍ يغيب الضعف بل الذل المسيطر بل المهيمن على كيانات هذه الأمة لتعود إلى سابق عزها، لتعود إلى تالِدِ مجدها عن طريق سُلُّمٍ واحد ألا وهو سُلَّمُ الحب.
الحب – أيها الإخوة – هو الذي يجمع من شتات، الحب لله، الحب الذي هو الجذع ولا يكون الحب جذعاً تتفرع عنه الأغصان الكثيرة إلا إذا كان حباً لمن أوجدنا، إلا إذا كان حباً لمن تنتسب أرواحنا إليه، إلا إذا كان حباً لمن كان منه المبتدأ وإليه الانتهاء، إلا إذا كان حباً لذاك الذي تصلنا منه تباعاً وباستمرار رسائل حبه.
عندما تهيمن محبة هذا الإله على قلوبنا يغيب التشرذم ويحل محله الاتحاد، يغيب الخصام ويحل محله الحب والوداد، يغيب الفقر ويحل محله الغنى، يغيب الذل، يغيب الضعف، تغيب المهانة وتلْبَسُ هذه الأمة مرة أخرى كسوةَ العز وتتوَّجُ بتاج المجد.
هذه هي الحقيقة.
هذا هو دواؤنا وذلك هو داؤنا.
داؤنا أننا توجهنا بأفئدتنا إلى محبة الشهوات، محبة الأهواء، محبة المصالح الآنية المارَّةِ الماضية، إلى
محبة الذات، إلى محبة الشهرة، إلى محبة الكراسي.
ما الذي فرَّقَ هذه الأمة؟ ما الذي جعلها تغيب عن إنسانيتها؟ ما الذي جعلها تستخذي للعدو الذي جعله الله عز وجل مضرباً للذل، جعله الله سبحانه وتعالى مضرباً للمهانة؟ ما الذي جعل هذه الأمة تستخذي لهذا العدو؟ ما الذي جعلها تُغَيَّبُ عن إنسانيتها؟
لأن الحب المهيمن على أفئدة أكثر هذه الأمة متجهٌ إلى الأسفل، متجهٌ إلى الهابط، متجهٌ إلى الأغيار، إلى الأغيار نعم.
في حين أن العقل ينبئ القلب أن الذي هو قمين بحبك هو الله، الذي يطعمك ويسقيك هو الله، الذي يعافيك من سائر الآلام والأسقام هو الله، الذي أضحك وأبكى هو الله، الذي إذا وقعت في مصيبة من المصائب والتفتَّ يميناً وشمالاً لن تجد من ينجدك من مصيبتك إلا الله.
هذا ما يقوله العقل للقلب.
ولكن أفئدة كثيرٍ منا سكرى، سكرى بالشهوات، سكرى بالأهواء، سكرى بالرغائب الذاتية ومن أجل هذا حلَّ الخصام فيما بيننا محلَّ الوداد وحلَّتْ المهانة والمذلة محل العزة وحل الغياب عن الإنسانية التي ينبغي أن تتقطع أفئدتنا لها في غزة وفي فلسطين غاب كل ذلك. لماذا؟
لأن حباً أهم هيمن على قلوبنا ألا وهو حب الذات.
إذاً أعود فأقول أيها الإخوة – ولا أحب أشرد بكم بحديثي هذا عن الخلاصة التي ينبغي أن نعلمها لعلنا نتخذ منها دواءً لأمراضنا:
الحب الذي هو الدواء ينبغي أن نركن إليه وينبغي أن نستبدله بالحب الذي هو الداء والذي من أجله توضعت مصائب كثيرة وكثيرة في مجتمعاتنا وفيما بيننا.
فهل عسيتم أن تجعلوا إيمانكم بالله عز وجل إيماناً عقلانياً يهيمن يقيناً في القلب وإيماناً عاطفياً يهيمن بالحب والتعظيم على الفؤاد.
هل عسيتم أن تبايعوا الله لا مبايعة إيمان عقلي بل مبايعة حبٍّ قبل أن يذهب الأوان وقبل أن تنطوي الفرصة.
نحن عائدون، نحن راجعون إلى مولانا وخالقنا سبحانه وتعالى وعما قريب سنقف بين يديه ولسوف تتبخر كل هذه الرغائب التي تتجه اليوم أفئدتنا بالحب إليها ولن نجد أمامنا إلا شيئاً واحداً هو الذي ينجينا إن تمسكنا به اليوم ألا وهو الارتباط العاطفي حباً وتعظيماً ومهابةً وخوفاً بالله سبحانه وتعالى
[/size][/size]
هل سمعتم عن عُقَارٍ خلقه الله سبحانه وتعالى هو داء للإنسان ودواء له في وقت واحد.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى هذا العقار. إنه الحب.
الحب جعله الله سبحانه وتعالى دواءً لمشكلات ومصائب الإنسان وجعله في الوقت ذاته داءً يتسبب عنه الكثير من مصائب تتوضع في كيان الإنسان.
إذا اتجه القلب بالحب إلى الرغائب والشهوات الدنيوية، إذا اتجه القلب بالحب إلى العصبية للذات وللنفس، إذا اتجه القلب بالحب إلى رغبات الأهواء، الرئاسة، الشهرة، جمع كنوز المال فإن الحب في هذه الحالة يغدو داءً وبيلاً من أخطر الأدواء التي تتوضع في كيان الإنسان فرداً ومجتمعاً.
أما إن تَوَجَّهَ الحب في فؤاد الإنسان إلى خالق الإنسان عز وجل، إلى الإله الذي بيده حياة الإنسان، بيده نفعه وضره، إلى الإله الذي يتقلب الإنسان أياً كان في بحر متلاطم الأمواج من نعمه التي لا تُحْصَى، أما إن وجَّهَ الإنسانُ قلبَهُ بالحب إلى إلهه هذا فالحب عندئذٍ دواءٌ ناجع، دواءٌ لكل المصائب التي يعاني منها الإنسان فرداً أو مجتمعاً.
ولقد أنبأنا بيان الله سبحانه وتعالى عن هذين الأثرين المتناقضين للحب، أنبأنا بيان الله سبحانه وتعالى عن الحب عندما يكون داءً وحذَّرَ منه أيَّمَا تحذير، وأنبأنا عن الحب عندما يكون دواءً وأمَرَنَا أن نتحقق به.
يقول الله سبحانه وتعالى وهو يوضح لنا وظيفة الحب عندما يكون داءً وعندما يحذِّرُنَا الله سبحانه وتعالى منه، يقول:
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة : 24].
أرأيتم كيف ينبِّهُنَا الله عز وجل إلى الداء الكامن في الحب عندما يتجه الإنسان بحبه إلى ما ليس أهلاً لحبه.
أرأيتم كيف يحذِّرُ البيان الإلهي الإنسانَ من أن ينقاد إلى هذا البلاء الوخيم، إلى هذه المصيبة بل إلى سلسلة المصائب التي تتفرع عن هذا الداء؟!
أما الحب الدواء فيلفت البيان الإلهي أنظارنا إليه قائلاً:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} [البقرة : 165]
ثم يؤكد هذا ببيان أدقَّ بل أكثرَ تفصيلاً:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة : 54].
فهذا هو الحب الذي يكون دواءً لمشكلات المسلمين أياً كانت اجتماعية أو فردية.
عباد الله: تعالوا – بعد هذا البيان الإلهي الذي كم وكم تاهَ المسلمون عنه لاسيما في هذه العصور – تعالوا نتبين مشاكلنا الراسخة في كياناتنا، إنها مشكلات كثيرة يضيق الوقت عن استعراضها وتفصيل الحديث عنها.
مشكلات تتمثل في تشرذم هذه الأمة وتفرقها.
مشكلات تتمثل في افتقارها عن غنى وما كانت يوماً ما فقيرة قط.
مشكلات تتمثل في الضعف الذي توضَّعَ في كيانها، وما كانت هذه الأمة في يومٍ من الأيام إلا مضرب المثل للقوة.
مشكلات تتمثل في الذل بعد العز، وكلنا يعلم أن تاريخ هذه الأمة ينتشي بالعزة التي متَّعَهَا الله سبحانه وتعالى بها.
هذه المشكلات – يا عباد الله – ما أكثر ما نتلاقى للحديث عنها ولتجاذب الآراء بحثاً عن علاجاتها.
كم وكم تحققت في سبيل البحث عن هذه المصائب وعلاجاتها ندواتٌ وكم تلاقى الناس في مؤتمرات، وكم وُضِعَتْ خطط ورُسِمَتْ سبل في سبيل التخلص من هذه الأمراض المتوضعة في كيان أمتنا الإسلامية جمعاء.
ولكن كل هذه الجهود لم تثمر، ولم تعد جهود المسلمين على اختلافها إلا بالخيبة وهي حقيقة ما ينبغي أن نتجاهلها.
الندوات التي عُقِدَتْ، المؤتمرات التي أقيمت، الخطط التي رُسِمَتْ في سبيل التخلص من هذه المصائب التي توضعت في كيان هذه الأمة انتهت دون أن نجد لها أي ثمرة.
ما السبب يا عباد الله؟
السبب أننا عدنا نفحص إيماننا بالله عز وجل على مستوى عقلاني فقط.
أنحن مؤمنون بالله؟ نعم نحن موقنون يقيناً عقلانياً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
أنحن موقنون بشرائع الله عز وجل وأحكامه؟ نعم نحن موقنون بذلك كله.
بحثنا عن مكان الإيمان في عقولنا ولكنا لم نبحث عن مكان هذا الإيمان في قلوبنا.
لم نبحث عن مكان هذا الإيمان في أفئدتنا التي هي مكان للعواطف الإنسانية الدافعة والرادعة والممجدة.
وكان ينبغي أن نعلم أن العقيدة لابد أن تستقر في العقل، نعم، ولكنها لا تقود صاحبها إلى تنفيذ أوامر الله عز وجل إلا بعد أن تتحول من يقينٍ عقلاني إلى وهجٍ من الحب مهيمنٍ على القلب.
لم نفحص قلوبنا ولم نتساءل عن الحب المهيمن في أفئدتنا، ولو أننا تفحصنا هذا الحب المهيمن في أفئدتنا وتساءلنا عن الاتجاه الذي يتجه إليه هذا الحب لرأينا أن إيماننا العقلاني صاعدٌ إلى الأعلى أما الحب المهيمن على أفئدتنا وقلوبنا فهابطٌ إلى الأدنى.
لو تفحصنا الحب الذي يهيمن على أفئدتنا والوجهة التي يتجه إليها لرأينا أنه متعلق بالدنيا وما أكثر أنواع ما نسيمه الدنيا.
لرأينا أن حبنا متعلق بالمال وجمعه، متعلق بالشهرة، متعلق بالرئاسة، متعلق بالعصبية للذات، متعلق بالأهواء والشهوات الجانحة.
لو أننا فحصنا أفئدتنا كما فحصنا عقولنا لنعود فنقول نحن – والله الحمد – مؤمنون بالله عز وجل لعلمنا سبب الداء الذي نعاني منه ولعلمنا مصدر المصائب المتسلسلة والمتوضعة في كيان هذه الأمة.
ما أكثر ما يُسَخَّرُ الإسلامُ له يا عباد الله لا بدافع من يقيننا العقلي وإنما بدافع من الحب الأرضي الهابط المهيمن على قلوبنا.
انظروا كم يُسَخَّرُ الإسلام لأهداف دنيوية، كم يُسَخَّرُ الإسلام لرغائبنا وأهوائنا وشهواتنا وملاذنا المهيمنة حباً على أفئدتنا وقلوبنا ولكن الإسلام لا يُسَخَّرُ لذاته، يُسَخَّرُ لكل شيء إلا أن يُسَخَّرَ لذاته.
هل سبب ذلك أننا غير مؤمنين بالله؟! لا.
نحن – ولله الحمد – مؤمنون وأستطيع أن أقول إن ملياراً ونصف مليار بل أكثر من سكان هذه البسيطة مؤمنون إيماناً عقلانياً بالله ومصطبغون اصطباغاً عقلانياً بنعمة الإسلام لله سبحانه وتعالى.
ولكن ماذا عسى أن يفيد اليقين العقلي إن لم يكن هنالك وقود الحب يدعم هذا اليقين العقلي؟
ماذا يفيد اليقين العقلي السائر ذات اليمين إذا الحب يقود صاحبه ذات اليسار؟
لن يفيد. هذا هو باختصار الداء الذي نعاني منه يا عباد الله.
وعندما يتحول الإيمان العقلاني الذي نتمتع به – ولله الحمد يقينا في عقولنا – إلى عاطفة من الحب لله عز وجل في أفئدتنا عندئذٍ تُحَلُّ كل المشكلات التي نعاني منها، عندئذٍ يتحول الخصام بين القادة والحكام إلى وئام، عندئذٍ يتحول التشرذم والتفرق إلى وحدة راسخة في كيان هذه الأمة، عندئذٍ يغيب الفقر وتعود هذه الأمة إلى ما كانت عليه من قبل من الغنى الذي ملَّكَها الله سبحانه وتعالى إياه، عندئذٍ يغيب الضعف بل الذل المسيطر بل المهيمن على كيانات هذه الأمة لتعود إلى سابق عزها، لتعود إلى تالِدِ مجدها عن طريق سُلُّمٍ واحد ألا وهو سُلَّمُ الحب.
الحب – أيها الإخوة – هو الذي يجمع من شتات، الحب لله، الحب الذي هو الجذع ولا يكون الحب جذعاً تتفرع عنه الأغصان الكثيرة إلا إذا كان حباً لمن أوجدنا، إلا إذا كان حباً لمن تنتسب أرواحنا إليه، إلا إذا كان حباً لمن كان منه المبتدأ وإليه الانتهاء، إلا إذا كان حباً لذاك الذي تصلنا منه تباعاً وباستمرار رسائل حبه.
عندما تهيمن محبة هذا الإله على قلوبنا يغيب التشرذم ويحل محله الاتحاد، يغيب الخصام ويحل محله الحب والوداد، يغيب الفقر ويحل محله الغنى، يغيب الذل، يغيب الضعف، تغيب المهانة وتلْبَسُ هذه الأمة مرة أخرى كسوةَ العز وتتوَّجُ بتاج المجد.
هذه هي الحقيقة.
هذا هو دواؤنا وذلك هو داؤنا.
داؤنا أننا توجهنا بأفئدتنا إلى محبة الشهوات، محبة الأهواء، محبة المصالح الآنية المارَّةِ الماضية، إلى
محبة الذات، إلى محبة الشهرة، إلى محبة الكراسي.
ما الذي فرَّقَ هذه الأمة؟ ما الذي جعلها تغيب عن إنسانيتها؟ ما الذي جعلها تستخذي للعدو الذي جعله الله عز وجل مضرباً للذل، جعله الله سبحانه وتعالى مضرباً للمهانة؟ ما الذي جعل هذه الأمة تستخذي لهذا العدو؟ ما الذي جعلها تُغَيَّبُ عن إنسانيتها؟
لأن الحب المهيمن على أفئدة أكثر هذه الأمة متجهٌ إلى الأسفل، متجهٌ إلى الهابط، متجهٌ إلى الأغيار، إلى الأغيار نعم.
في حين أن العقل ينبئ القلب أن الذي هو قمين بحبك هو الله، الذي يطعمك ويسقيك هو الله، الذي يعافيك من سائر الآلام والأسقام هو الله، الذي أضحك وأبكى هو الله، الذي إذا وقعت في مصيبة من المصائب والتفتَّ يميناً وشمالاً لن تجد من ينجدك من مصيبتك إلا الله.
هذا ما يقوله العقل للقلب.
ولكن أفئدة كثيرٍ منا سكرى، سكرى بالشهوات، سكرى بالأهواء، سكرى بالرغائب الذاتية ومن أجل هذا حلَّ الخصام فيما بيننا محلَّ الوداد وحلَّتْ المهانة والمذلة محل العزة وحل الغياب عن الإنسانية التي ينبغي أن تتقطع أفئدتنا لها في غزة وفي فلسطين غاب كل ذلك. لماذا؟
لأن حباً أهم هيمن على قلوبنا ألا وهو حب الذات.
إذاً أعود فأقول أيها الإخوة – ولا أحب أشرد بكم بحديثي هذا عن الخلاصة التي ينبغي أن نعلمها لعلنا نتخذ منها دواءً لأمراضنا:
الحب الذي هو الدواء ينبغي أن نركن إليه وينبغي أن نستبدله بالحب الذي هو الداء والذي من أجله توضعت مصائب كثيرة وكثيرة في مجتمعاتنا وفيما بيننا.
فهل عسيتم أن تجعلوا إيمانكم بالله عز وجل إيماناً عقلانياً يهيمن يقيناً في القلب وإيماناً عاطفياً يهيمن بالحب والتعظيم على الفؤاد.
هل عسيتم أن تبايعوا الله لا مبايعة إيمان عقلي بل مبايعة حبٍّ قبل أن يذهب الأوان وقبل أن تنطوي الفرصة.
نحن عائدون، نحن راجعون إلى مولانا وخالقنا سبحانه وتعالى وعما قريب سنقف بين يديه ولسوف تتبخر كل هذه الرغائب التي تتجه اليوم أفئدتنا بالحب إليها ولن نجد أمامنا إلا شيئاً واحداً هو الذي ينجينا إن تمسكنا به اليوم ألا وهو الارتباط العاطفي حباً وتعظيماً ومهابةً وخوفاً بالله سبحانه وتعالى
[/size][/size]
fatoom- مشرفة
- عدد المساهمات : 1247
نقاط : 8484
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 11/02/2012
خاص للزوار
تردد1:
(0/0)
أسألة الزوار:
(50/50)
ddddddkkkkkkk:
مواضيع مماثلة
» وسئل فضيلته عن الجمع بين حديث عبد الله بن الشخير – رضي الله عنه – قال ( انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا أنت سيدنا فقال " السيد الله تبارك وتعالى " . وما جاء في التشهد " اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد " . وحديث
» أيها الأخوة: اعلموا حفظكم الله أن أشرف شيء بين يديك عمرك , ووقتك هذا الوقت هو أشرف شيء أعطاك الله عز وجل ولهذا قال بن الجوزي رحمه الله: الوقت
» سئل فضيلة الشيخ: يقول بعض الناس:(أوجد الله كذا)، فما مدى صحتها؟ وما الفرق بينها وبين : (خلق الله كذا) أو (صور الله كذا) ؟
» من امثلها أم المؤمنين رضي الله عنها وارضاها وجعلنا ممن يقتدي بها زوجة رسول الله صلي الله عليه وسلم
» الملوخية دواء لكل داء
» أيها الأخوة: اعلموا حفظكم الله أن أشرف شيء بين يديك عمرك , ووقتك هذا الوقت هو أشرف شيء أعطاك الله عز وجل ولهذا قال بن الجوزي رحمه الله: الوقت
» سئل فضيلة الشيخ: يقول بعض الناس:(أوجد الله كذا)، فما مدى صحتها؟ وما الفرق بينها وبين : (خلق الله كذا) أو (صور الله كذا) ؟
» من امثلها أم المؤمنين رضي الله عنها وارضاها وجعلنا ممن يقتدي بها زوجة رسول الله صلي الله عليه وسلم
» الملوخية دواء لكل داء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى