من أهم الواجبات الملقاة على عاتق العلماء وطلبة العلم النبهاء (التأصيل العلمي) بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
صفحة 1 من اصل 1
من أهم الواجبات الملقاة على عاتق العلماء وطلبة العلم النبهاء (التأصيل العلمي) بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله تعالى ورعاه الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه ، وصلى بصلاته إلى يوم الدين ، قال تعالى : {يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم }. ( أ ) أما بعد .( أ ) من أهم الواجبات الملقاة على عاتق العلماء وطلبة العلم النبهاء (التأصيل العلمي) ولا سيما في تلك القضايا التي تخص المسلمين بعامة، أو يكثر تردادها على الألسنة، ودورانها في المجالس والمحافل، وخصوصا ما له صلة بقوة المسلمين، وعزهم، ومجدهم، أو ما يترتب عليه من بذل جهد في سبيل استئناف الحياة الإسلامية، ولو –بداية- بالتصور النظري المجرد، ولا سيما إن خص طائفة من الناس أو عددا منهم. ولم يظهر التحزب والتعصب والتمحور حول مسائل قليلة معدودة، يعقد عليها سلطان الولاء والبراء والحب والبغض إلا بفقد العدل، أو توظيف النص وإسقاطه في غير محله، أو إقامة أثر عليه لم يرتبه عليه الشرع، ولم ينص عليه العلماء الكبار الكبار، أو غير ذلك مما له آثار سلبية، عانى منها شباب الدعوة السلفية فيما مضى في مسائل خطيرة عصمهم الله من نتائجها المهولة بفضله ورحمته، بأن تصدى لها الربانيون من المؤهلين من أهل العلم والدعوة إلى الله على بصيرة، وجنودهم من الخطباء والطلبة والدعاة والوعاظ، وما زال بعضهم يعاني لملابسات خاصة به، أو لتأثره تحت ضغط نفسي، أو مكسب مادي أو منصب معنوي! أو راتب ربحي، نسأل الله لنا ولهم السداد والرشاد، ونسأله أن يجنبنا الهوى، وركوب ما لا يرتضى. ومن أهم القضايا التي تحتاج إلى تأصيل، ذلك الشعار الذي يكثر دورانه على الألسنة، ولا سيما من قبل إخواننا السلفيين –حياهم الله وبياهم، وأكثر منهم، وبارك في جهودهم وعلمهم- : (التصفية والتربية) . وهذه كلمات برزت من خلال تأمل وتفكر في بعض الآيات الكريمات، وربطها ببعضها بعضاً، مع الإستئناس ببعض تقريرات وشروحات الفحول من علماء أهل السنة، فإنْ أصبتُ فيها، فذلك من فضل الله علي، وأسأله أن يجعلها خالصة لوجهه، وأسأله وأتوجه إلى الله بهذ الطاعة أن يبارك فيها، وأتذلل له بأن يزيدني من فضله، ويعيذني من شر نفسي، وسيئات عملي، وإن كانت الأخرى فحسبي ضعفي، فاللهم رحماك رحماك، فإني تائب إليك على كل حال، من سوء الخصال والأقوال والفعال. من المعلوم أن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، وما صلح إلا بالتزكية والعلم، وهما المهمتان اللتان بعث الله نبيه محمداً لتحقيقهما، بل أكرمه الله بهما قبل أن يخلق، بأن دعا أبوه إبراهيمُ -عليه الصلاة والسلام- ربه، فقال: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } [size=9][البقرة: 129]، وجاءت الاستجابة متمثلة في آيات عديدة، وكانت في سياق الامتنان؛ منها: قوله -تعالى-: { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 151]. وقوله -تعالى-: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } [آل عمران: 164]. وقوله -تعالى-: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مبِينٍ } [الجمعة: 2]. وقال : «أنا دعوة أبي إبراهيم» (1). فـ(العلم) و(التزكية) هما المهمتان التي دعا بهما إبراهيم -عليه السلام-، واستجاب الله له، ولكنه قدم (التزكية) على (العلم)؛ لأن النفس تتحصل على (العلم) من خلال حملها على التزكية، و(العلم) يأتي بثماره وأكله لمّا يزكي صاحب العلم نفسه، ولا يتم ذلك -على وجه الكمال- إلا بقواعده وأحكامه، وعلى كل حال، فالامتنان حاصل ببعثة الرسول ، ويلاحظ هنا أمور منهجية مهمة، لا ينبغي ألبتة أن تغيب عن طلبة العلم؛ هي: أولاً:أصل الخير (العلم) و(التزكية)، وبهما ينغلق أصل الشر، وكل سبيل موصل إليه؛ وهو: (الشهوة) و(الشبهة)، فالذي يدفع (الشهوة) التزكية، وتزول (الشبهة) بالعلم. وكما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين (الشهوة) و(الشبهة) من جهة، فهناك -أيضاً- ارتباط وثيق بين (العلم) و(التزكية). ثانياً: أسوأ أنواع الضلال هو امتزاج (الشهوات) بـ(الشبهات)، ولذا وصف الله الناس قبل بعثة النبي وقيامه بتزكيتهم وتعليمهم بأنهم {كانوا من قبل لفي ضلال مبين}، وسبب ذلك وجود (الظلم) و(الجهل) عندهم، فيتولد من عدم التزكية (الظلم)، ومن عدم العلم (الجهل)، ومزيجهما هو (الضلال المبين). ثالثاً: لما حمل الإنسان الأمانة وصفة الله بـ(الظلم) و(الجهل)، وذلك في قوله -تعالى-:{ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [الأحزاب: 72]. أفادت الآية أشياء؛ منها: 1- إن الإنسان لما حمل التكاليف الشرعية كان (ظلوماً) (جهولاً)، وهذان الوصفان بالترتيب المذكور لا يزولان إلا بـ(يزكيهم) و(يعلمهم)، فانسجم تقديم التزكية على العلم مع صفتي حامل الأمانة. 2- الأصل في الإنسان أنه ظالم جاهل، حتى يقوم البرهان على خلاف ذلك بالطرق الشرعية. قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (15/357): «وأما من يقول: الأصل في المسلمين العدالة. فهو باطل، بل الأصل في بني آدم الظلم والجهل، كما قال -تعالى-: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}، ومجرد التكلم بالشهادتين لا يوجب انتقال الإنسان عن الظلم والجهل إلى العدل». وقال فيه -أيضاً- (18/169): «ولما كان العدل لا بد أن يتقدمه علم -إذ من لا يعلم لا يدري ما العدل؟ والإنسان ظالم جاهل إلا من تاب الله عليه، فصار عالماً عادلاً، صار الناس من القضاة وغيرهم ثلاثة أصناف: العالم الجائر، والجاهل الظالم، فهذان من أهل النار، ... وكل من حكم بين اثنين فهو قاض، سواء كان صاحب حرب أو متولّي ديوان، أو منتصباً للاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى الذي يحكم بين الصبيان...». وقال ابن أبي تغلب في «نيل المآرب» (2/454): «وقال الشيخ: ومن قال: الأصل في الإنسان العدالة. فقد أخطأ، وإنما الأصل فيه الظلم والجهل؛ لقوله -تعالى-: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}». في نقولات كثيرة شهيرة (2)، أجملها وبيّن وجه الحق في هذه المسألة المهمة الصنعاني في «توضيح الأفكار» (2/149-150)، قال معلقاً على قول صاحب «تنقيح الأنظار»: «ولأنها -أي: العدالة- الأصل في أهل الإسلام»، قال: «اعلم أن هذه مسألة خلاف بين الأمة، منهم من ذهب إلى أن الأصل الفسق، وهو الذي ذهب إليه العضد وصرح به في «شرح مختصر ابن الحاجب» (3)، وتبعه عليه الآخذون من كتابه (4)، مستدلين بأن العدالة طارئة، وبأن الفسق أغلب، وقد حققنا في «ثمرات النظر» (5) أن الأصل أن كل مكلف يبلغ سن التكليف على الفطرة، كما دل له حديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، وفي معناه عدة أحاديث (6)، وفسر به قوله -تعالى-: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، فإن بقي عليها من غير مخالطة بمفسِّق، وأتى بما يجب فهو عدل على فطرته مقبول الرواية، وإنْ لابس مفسقاً فله حكم ما لابسه، وقد أشار سعد الدين في «شرحه على شرح العضد» (7) إلى هذا، وتعقبه صاحب «الجواهر» بما ليس بجيد، وقد ذكرناه هنالك، وقد استدل لهم بأن الأصل الفسق بأنه الغالب، ولكنه قيده بعضهم بأن هذه الأغلبية إنما هي في زمن تبع التابعين، لا في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ لحديث: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب». وعلى هذا التقييد يتم القول بأن الأصل -أي: الأغلب- الفسق في القرون المتأخرة، فلا يؤخذ الحكم كلياً بأن الأصل الإيمان، ولا بأن الأصل الفسق، بأن يقال في الأول: إنه الأصل في القرون الثلاثة، وفي الثاني: إنه الأصل فيما بعدها. وقد استدل الجلال في «نظام الفصول» على أن الأصل هو الفسق بقوله -تعالى-: { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }، { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }. قلت: ولا يخفى أنه غير صحيح؛ إذ المراد من الآيات أن المؤمنين قليل بالنسبة إلى الكفار، كما يدل عليه سياق الآيات، لا أن المراد أن المؤمنين قليل بالنسبة إلى المسلمين الذين ليسوا بعدول، وكذلك تفريعه عليه بأنه يحمل الفرد المجهول على الأعم الأغلب، وهو أنه يحمل المسلم المجهول العدالة على الفسق غير صحيح؛ لأنه ليس لنا أن نفسِّق مسلماً مجهول العدالة لأجل أن الأغلب الفسق؛ لأن هذا تفسيق بغير دليل من نص أو قياس مع قولهم: «لا تفسيق إلا بقاطع»، بل نقول: يبقى المسلم المجهول العدالة على الاحتمال، لا نرد خبره حكماً بفسقه، ولا نقبله حكماً بعدالته، بل يبقى على الاحتمال حتى يبحث عنه ويتبين أي الأمرين يتصف به، وينبغي أن يكون هذا مراد من يقول بأن الأصل الفسق، وقول المصنف: إن الأصل العدالة، يقتضي أنه لا يحتاج إلى التعديل؛ لأنه لا حاجة إليه؛ إذ كون ذلك هو الأصل كاف». قلت: هذا الذي اختاره الصنعاني هو الحق بلا مراء، ولعل في هذا البيان يزول الإشكال الواقع هذه الأيام بين طلبة العلم في هذه المسألة، والله المستعان. رابعاً: يؤكّد ما سبق: قوله : «خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، ولا فقه في الدين» (8). فحسن السمت مأخوذ من {يُزَكّيهِم}، والفقه في الدين مأخوذ من {يُعَلِّمُهُم}، فالنتيجة أنه لا يبرئ الإنسان من النفاق حتى يحقق في نفسه شيئاً من مهمتي رسول الله ، وهذا على وجه الوجوب العيني. خامساً: بل لا سعادة للأمة بجملتها إلا إن حققت هاتين الخصلتين على وجه التمام والكمال، فتمام وكمال العلم (اليقين)، وتمام وكمال التزكية (الصبر) بجميع أنواعه: 1- الصبر على فعل الطاعات. 2- الصبر على ترك المعاصي والمنكرات. 3- الصبر على الألاقي في سبيل الدعوة إلى الله -تعالى- والإصلاح. 4- الصبر على قضاء الله وقدره. ولا نبعد عن الحقيقة إن قررنا هنا أن سبب تخبُّط الناس وضياعهم؛ هو عدم تحقق هذين الأمرين فيهم على وجه كفائي بالقدر اللازم والواجب، والواجب على الأمة أن يكون فيها ورثة للرسول ؛ يعملون بمهمته: يزكّون ويعلِّمون، وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله -تعالى-. وأئمة الدين (العلماء العاملون الربانيون) هم من تحققت فيهم أعلا وأغلا درجات (العلم) و(التزكية)، وهي -كما قررنا- الصبر واليقين (9)، قال الله -تعالى-: { وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً }؛ أي: أئمة الدين { لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُون }، فحصّلوا التزكية والعلم على وجه التمام والكمال. سادساً:وأخيراً... في الآيات السابقة جميعاً، ولا سيما الآية التي في سورة الصف، تزكية وتعديل ضمني لجميع من استجاب للنبي في حياته؛ وذلك أن النبي قام بمهمَّتَيه، ووفَّقه الله -عز وجل- على وفق سنته الكونية والشرعية لذلك، وأخرج من آمن به واتبعه من الضلال، ولا يكون ذلك كذلك إلا بتحقق التزكية والعلم فيهم ولديهم، قال ابن القيم(10) في تفسير آية الصف: «فالأولون: هم الذين أدركوا رسول الله وصحبوه. والآخرون: هم الذين لم يلحقوهم؛ وهم: كل من بعدهم على منهجهم إلى يوم القيامة، فيكون التأخر وعدم اللحاق في الفضل والرتبة، بل هم دونهم فيكون عدم اللحاق في الرتبة، والقولان كالمتلازمين، فإن من بعدهم لا يلحقون بهم لا في الفضل ولا في الزمان، فهؤلاء الصنفان هم السعداء. وأما من لم يقبل هدى الله الذي بعث به رسوله ولم يرفع به رأساً فهو من الصنف الثالث؛ وهم: { الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا }». والخلاصة: أن الله -عز وجل- كما اختار نبيَّه من بين سائر الناس، اختار أصحابه كذلك، «فامتن عليهم -سبحانه- بأن علمهم بعد الجهل، وهداهم بعد الضلالة، ويا لها من منّة عظيمة فاتت المنن، وجلّت أن يقدر العباد لها على ثمن» (11). وبعد: تبرهن لنا من خلال ما مضى: أن الله -تعالى- جعل الخير كله في (التزكية) و(العلم)، ولكن؛ أنّى للمكلّفين تحصيلهما، وما هو سبب إيجادهما، ولا سيما في زمن غربة الدين؟ هذا ما نادى به المصلحون من الأولين والآخرين ممن سار على منهج السلف الصالحين، وكان من آخرهم شيخنا المحدث العلامة محمد ناصر الدين بن نوح النجاتي الألباني (12) -رحمه الله تعالى-، وذلك برفعه شعار (التصفية) و(التربية) لإصلاح الأمة، وهذا الشعار فيه وسائل تحقيق (العلم) الصحيح الصافي، الذي من خلاله تتحقق معرفة الإسلام النقيّ الذي أنزله الله على قلب النبي ، ولا يكون ذلك إلا بتصفية العلم الشرعي مما علق به من دخل ودخن، وترهات وبدع. وكان من أسباب دخول البدع في الشرع الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، والاستدلال بها على أنها مصدر من مصادر التشريع والأحكام، ولذا توجّهت عناية شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى- ببيان الصحيح من الضعيف، والسليم من الرديء، وبذل جهداً عظيماً في ذلك، واصل فيه الليل بالنهار، وقضى السنوات، بل العقود التي زادت عن خمسة، بل نافت عنها قليلاً في تحقيق هذا المقصد العظيم، وترجم ذلك في جهود عظيمة، وآثار جليلة، في مشروع كان يطلق عليه (تقريب السنة بين يدي الأمة). وكان يستطرد في كثير من الأحايين في بيان الآثار السيئة للأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة في الأمة، وكانت تتجلّى هذه الآثار على وجه جليّ جدّاً في (البدع) ، ولا سيما تلك الشائعة الذائعة، التي لها (حراس) يحمونها، و(أشخاص) يذبون عنها، و(دعاة) يقدسونها! ممن انحرفت أصولهم، وزاغت قلوبهم، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فـ ( التصفية ) بمعناها الشرعي اللاحب، في جميع ميادين العلوم، ولا سيما التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد، من أهم الواجبات الشرعية التي تبذل لإقامة الدين، إذ لا يقدر على ذلك على وجه فيه استمرار واستقرار، وثبات يأتي بثماره وأكله –إلا من كان على يقين المتحصل على التصفية، بحيث يميز بين الأصيل والدخيل في التصورات، كما يمايز بين الأمور المتداخلة في المرئيات. وليس المراد من التوحيد : الضوابط المعرفية الذهنية (13)، فهي على أهميتها قد تتحصل في العقل ولا تعدو التصور، ولا تؤثر في الإرادة ولا يشعر صاحبها بحلاوة الإيمان، والتقرب الدائم إلى الرحمن، وليس هذا القدر الذي يقنع به المصلحون، وإنما يعملون على تحصيل الزاد المعين بعد الله عز وجل على تحمل المشاق والأعباء، بتحقيق الرضا التام بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا . أخرج مسلم في " صحيحه " رقم (34) بسنده إلى العباس بن عبدالمطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا " . فمن لم يجد ويذق طعم الإيمان، ففي رضاه نقص، فاحرص وانتبه وتفقد حالك . ومجالات التصفية، وميادين التربية كثيرة متشعبة، ولكثير من أئمة الدعوة السابقين واللاحقين والمعاصرين تجاريب في ميادينها، يصعب حصرها ويعسر تعدادها في هذا المقام، والله الموفق، لا رب غيره ولا إله سواه،،، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين (1) انظر: «الصحيحة» (1545، 1546). (2) سيأتي قريباً ذكر لبعضها. (3) (2/64). (4) وهو قول جماعة من الأصوليين. انظر: «المنخول» (ص 259)، «المحصول» (2/579)، «شرح الكوكب المنير» (413)، «شرح منهاج الوصول» (2/340)، وقول جماعة من الفقهاء. انظر: «شرح الزرقاني على مختصر خليل» (7/164)، «الإنصاف» (11/283-285) للمرداوي. (5) (ص 74). (6) ذكرها الصنعاني في كتابه «إيقاظ الفكرة»، وهو مطبوع. (7) (2/64) (8) انظر: «الصحيحة» (278). (9) ولذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كثيراً ما يردد: «بالصبر واليقين تنال الإمامة بالدِّين». (10) في «الرسالة التبوكية» (63). (11) «مفتاح دار السعادة» (63). (12) له -رحمه الله- بهذا الخصوص محاضرة جيدة، ألقاها في المعهد الشرعي بالأردن منذ أكثر من ثلاثين سنة، نشرت سنة 1421هـ، عن المكتبة الإسلامية بعنوان «التصفية والتربية وحاجة المسلمين إليهما». لشيخنا الألباني مؤلف بعنوان " قاموس البدع " ترك منه جذاذات قليلة، وأنظار الطلبة –بل العلماء- تطلع إليه وقام صاحب هذه السطور مع أخيه أحمد الشكوكاني بجمع كلام شيخنا المحدث الألباني على البدع ورتبناه على المواضيع، وفرغنا من تنضيده، وهو في مجلد ضخم، يسر الله نشره بخير وعافية . (13) على أهميتها، وتحقق أصل النجاة، ومطلق السلامة بها. |
مواضيع مماثلة
» بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
» { ج 1} السياسة التي يريدها السلفيون بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
» { ج 2} السياسة التي يريدها السلفيون بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
» من أخطاء الناس حول ليلة القدر بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
» الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
» { ج 1} السياسة التي يريدها السلفيون بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
» { ج 2} السياسة التي يريدها السلفيون بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
» من أخطاء الناس حول ليلة القدر بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
» الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذر المطر بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى