أصحمة النجاشي ملك الحبشة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لا شك أننا نعرفه مؤمنا صالحا وملكا عادلا، فلنتعرف إليه في هذا المقال إن شاء الله تعالى واعظا، ولنتذاكر كلمة من كلماته المضيئة نقلتها لنا دواوين السنة وكتب السيرة
صفحة 1 من اصل 1
أصحمة النجاشي ملك الحبشة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لا شك أننا نعرفه مؤمنا صالحا وملكا عادلا، فلنتعرف إليه في هذا المقال إن شاء الله تعالى واعظا، ولنتذاكر كلمة من كلماته المضيئة نقلتها لنا دواوين السنة وكتب السيرة
أصحمة النجاشي ملك الحبشة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لا شك أننا نعرفه مؤمنا صالحا وملكا عادلا، فلنتعرف إليه في هذا المقال إن شاء الله تعالى واعظا، ولنتذاكر كلمة من كلماته المضيئة نقلتها لنا دواوين السنة وكتب السيرة
لم يكن يوم قال كلمته وألقى موعظته من السابقين الأولين، وما التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم قط وما شهد معه بدرا ولا بايع تحت الشجرة ولا كان له من المناقب التي كانت لكثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل لم يمض على إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم سوى لحظات معدودات حتى تكلم بكلمات استحسنها الصحابة الكرام الهاربون بدينهم إلى بلده ، فهلم بنا أيها القارئ الكريم نتعرف على بعض فضائل النجاشي ونستخلص العبر من كلمته.
تزكيات
الصحابي التابعي
قال الذهبي رحمه الله تعالى عن النجاشي : "معدود في الصحابة رضي الله عنهم، وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر، ولا له رؤية، فهو تابعي من وجه، صاحب من وجه"سير أعلام النبلاء
الرجل الصالح
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ:" مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ "( البخاري في المناقب باب موت النجاشي)
الملك العادل
قال ابن إسحاق : "فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد" (السيرة النبوية لابن هشام وانظر السلسة الصحيحة للألباني رقم 3190).
نعاه الوحي وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا (البخاري كتاب الجنائز باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه)
وكيل النبي صلى الله عليه وسلم في زواجه من أم حبيبة رضي الله عنها
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ زَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ وَأَمْهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَجَهَّزَهَا مِنْ عِنْدِهِ. (النسائي في النكاح باب القسط في الأصدقة وصححه الألباني)
خير جار
نزل جمع من الصحابة رضوان الله عليهم بجوار النجاشي في أرضه بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن جوارهم وأكرم مثواهم ، فأرسلت قريش رجلين جلدين (عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة) إلى النجاشي حاملين معهما هدايا وتحف إلى النجاشي وبطارقته بقصد الرشوة، حتى يخلوا بينهم وبين أولئك المهاجرين، وعقد المجلس الذي حضره النجاشي وبطارقته و المهاجرون والرجلان من قريش، وجرى فيه حوار اقتبس منه المتأملون في السيرة النبوية فوائد عظيمة،كان خاتمتها كلمة النجاشي المعبرة عن موقفه الصلب ووفائه المنقطع النظير، لما أبى رحمه الله تعالى أن يسلم المهاجرين إلى قريش وفطن أن هداياهم كانت رشوة ليمكنهم من مبتغاهم، فأمر برد هداياهم وقال : " فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه" (رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط وأورده الألباني في صحيح السيرة).
الذكريات
النجاشي ملك من ملوك الأرض ذو سطوة وبأس، لربما مدحه الشعراء وأهديت له الهدايا والطرف الكثيرة لينال المتزلفون رضاه، وكم كان أولئك المتملقون سبب فتنة للملوك والعظماء، لكن النجاشي لما ادخره الله تعالى لنصرة أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم من المستضعفين المهاجرين لم تغش قلبه غشاوة الطغيان في ذلك الموقف ، فبينا عمرو في مساومته إذ بذهن النجاشي يرجع به إلى سنوات طويلة ويتذكر إنعام الله تعالى عليه، فقد كان أبو النجاشي ملك الحبشة قبله فغدر به أخوه (عم النجاشي أصحمة) فقتله وباع ولده (أصحمة النجاشي) بيع الغلمان ، وبعد فترة هلك ذلك العم الغادر ووجد الحبشة أنفسهم في "أزمة دستورية" ، فملكهم الجديد هلك وإذا أولاده كلهم حمقى لا يصلحون للملك، فلا حل لهم إلا الرجوع إلى النجاشي أصحمة صاحب الحق الشرعي في عرش الحبشة فبحثوا عنه بعدما قتلوا أباه وباعوه حتى وجدوه وأكرموه وأقعدوه على العرش ...
تذكر النجاشي هذه الذكريات ، وتأمل كيف أن الله تعالى رد عليه ملكه تفضلا منه وتكرما ما دفع للملك الديان رشوة ، وأن الله تعالى ما أطاع الناس الذي كادوا له فأمضى كيدهم، فرأى النجاشي أن يعامل أولئك الضعفاء الذين استجاروا به كما عامله الله تعالى من فضل وإحسان، فلا يقبل الرشوة في سبيل الغدر بهم ولا يطيع فيهم الناس الذين يريدون بهم كيدا ومكرا وغدرا، فأنطقه الله تعالى بهذه الكلمة النيرة.
الرشوة ...ما أقبحها!
الرشوة -كيفما سميتها- من أكل أموال الناس بالباطل ، وجالبة للعنة الله تعالى وكبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (البقرة 29)، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، (أبو داود كتاب الأقضية باب كراهية الرشوة وصححه الألباني).
فحسب الراشي والمرتشي شرا أن يطردا من رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء من أجل مبلغ تافه من متاع الدنيا.
هل أخذ الله تعالى الرشوة منك؟
فليتفكر من يرهق المسلمين بطلب الرشاوى ويستغل حاجتهم وكربتهم : هل أخذ الله تعالى الرشوة منك حين خلقك فسواك فعدلك؟ هل أخذ الله تعالى الرشوة منك حين أطعمك وسقاك وشفاك؟ هل أخذ الله تعالى الرشوة منك لما هداك إلى الإسلام ؟ تفكر في نفسك أنت أيها المسلم الذي ولدت في بلد الإسلام تسمع الأذان وترى المساجد وتشهد الأعياد والجمع، كيف تطيب نفسك أن تأخذ الرشوة ، وقد مـجّـتها نفس ملك قريب عهد بالنصرانية ، رعيته نصارى وحاشيته بطارقة والكنائس في بلده قائمة، اِسأل الله تعالى أن يحي قلبك عساك تعقل.
ما أغنى عني ماليه!
اجمع- يا آخذ الرشوة- أموال الرشاوى إذا حضرك الموت، وأوص أن تدفن معك في قبرك كما يفعل الفراعنة ، ثم ادفع أنت الرشوة إلى الملكين حين تقعد للسؤال فانظر هل يقبلان منك..وادفع الرشوة في عرصات القيامة حتى يقضى فيك وتستريح من هول الموقف... وادفع الرشوة لتجوز الصراط سالما... وإذا نادى الناس :"يا مالك ليقض علينا ربك" فارشه أنت لعله يسمعك... وإذا نادى أصحاب النار أن أفيضوا علينا من الماء! فادفع أنت الرشوة لعلك تسقى .....قال الله تعالى فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) (الحديد 15) ،لقد كان ينفعك في هذه المواطن قضاؤك حوائج المسلمين وشفاعتك لهم وتفريجك كربهم أما الرشوة أخذها وإعطاؤها فهي وبال عليك يوم القيامة. قال النبي صلى الله عليه وسلم :" الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (متفق عليه)
يا صاحب الجاه...أحسن كما أحسن الله إليك
الجاه هو قيام المنزلة في قلوب الناس وهو اعتقاد القلوب نعتا من نعوت الكمال في هذا الشخص (مختصر منهاج القاصدين) ، فإذا كنت واليا من ولاة أمور المسلمين أو موظفا ساميا أو تاجرا كبيرا أو عالما شهيرا ...فأنت من أصحاب الجاه.
واعلم أن الجاه-وإن كان نعمة من نعم الله تعالى- فهو "الداء الدفين الذي هو أعظم شبكة للشياطين" (مختصر منهاج القاصدين)، إلا من وفقه الله لتسخيره في طاعته، قال ابن العربي رحمه الله تعالى في تفسير قوله عز وجل في قصة قارون وأحسن كما أحسن الله إليك) (القصص 77):" ذكر فيها أقوال كثيرة جماعها استعمال نعم الله في طاعته" (أحكام القرآن 3/512)، ولذلك كان من مراتب الجود "الجود بالنفع بالجاه كالشفاعة والمشي مع الرجل إلى ذي سلطان ونحوه وذلك من زكاة الجاه المطالب بها العبد كما أن التعليم وبذل العلم زكاته". (مدارج السالكين 2/45) جاء رجل إلى الحسن بن سهل يستشفع في حاجة فقضاها فأقبل الرجل يشكره فقال له الحسن بن سهل علام تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة" (الآداب الشرعية ابن مفلح )
فجد بجاهك وزكه كما جاد النجاشي بجاهه وحمى المهاجرين إليه، وإن من أعظم الجود بالجاه في زمننا هذا وفي بلدنا هذه -حرسها الله تعالى- إعانة العلماء والدعاة على تبليغ دين الله تعالى بأن يشفع لهم ذوو الجاه الموفقون عند أولي الأمر-بما يسمح به الشرع والقانون- ليهيئوا لهم الظروف والرخص حتى يدعوا إلى الله عز وجل.
لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَعْرِض نفسَه في المواسم على قبائل العرب يدعوهم إلى الله، ويخبرهم أنه نبي مُرْسَل، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبينَ لهم ما بعثه به الله ، ففاز بها الأنصار، وضاهى فضلهم ومنزلتهم فضل المهاجرين الذين يفوقونهم علما وبلاء وسبقا في الإسلام، وقرن ذكرهم بذكرهم، قال تعالى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (التوبة 100)، فزاحم أنت يا صاحب الجاه والسلطان العلماء والدعاة في المنزلة عند الله تعالى بخدمتهم وإعانتهم.
وغنم المسلمون دهاء عمرو
قال الذهبي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: "داهية قريش، وَرجل العَالَمِ، ومن يضرب به المثال في الفطنة والدهاء والحزم." وَقال عنه ابن عبد البرِ: كَانَ عَمْرٌو مِنْ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ وَأَبْطَالِهِم فِي الجَاهِلِيَّةِ، مَذْكُوْراً بِذَلِكَ فِيْهِم..... وَكَانَ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ رَأْياً، وَدَهَاءً، وَحَزْماً، وَكَفَاءةً، وَبَصَراً بِالحُرُوْبِ، وَمِنْ أَشْرَافِ مُلُوْكِ العَرَبِ،..لذلك اختارته قريش سفيرا إلى الحبشة ليعيد المهاجرين ، لكن رحمة الله تعالى تداركته بعد فترة فهَاجَرَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِماً فِي أَوَائِلِ سَنَةِ ثَمَانٍ، مُرَافِقاً لِخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وِ عُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، فَفَرِحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُوْمِهِمْ وَإِسْلاَمِهِم،وصار دهاؤه وحزمه غنيمة للمسلمين وعونا لهم، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يُؤَمِّره.
فتأمل كيف نفذت الهداية إلى قلب ملك من ملوك النصارى على رغم الجيوش والحصون والبطارقة والكنائس، وكيف نفذت الهداية إلى قلب سفير قريش الداهية الذي أرسلته ليمكر بالمسلمين، فلا تيأسن-إذا رأيت المنكرات والموبقات في قومك- من هداية الله سبحانه وتعالى لهم فإنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
مواضيع مماثلة
» هل رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الله تعالى مباشرة في اليوم الذي رأى فيه الجنة والنار
» سئل فضيلة الشيخ : عن الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم : " السيد الله تبارك وتعالى " وقوله ، صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم " وقوله : " قوموا إلى سيدكم " وقوله في الرقيق : " وليقل سيدي " ؟ .
» عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينا رجل بفلاة من الأرض ،
» غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
» كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود ؟
» سئل فضيلة الشيخ : عن الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم : " السيد الله تبارك وتعالى " وقوله ، صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم " وقوله : " قوموا إلى سيدكم " وقوله في الرقيق : " وليقل سيدي " ؟ .
» عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينا رجل بفلاة من الأرض ،
» غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
» كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود ؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى