توجيه النبي عليه الصلاة والسلام في ذكر الموت لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
توجيه النبي عليه الصلاة والسلام في ذكر الموت لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
لماذا وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه الكرام للإكثار من ذكر الموت؟ :
أيها الأخوة الكرام, لا زلنا في موضوع الموت، والموت أشد الأحداث واقعيةً في المستقبل، ما من حدث في المستقبل أشد لصوقاً بالإنسان, وأشد واقعيةً من الموت، والتفكير في هذا الحدث الخطير تفكير جاد واقعي مهم جداً، لنرى:
لا تدع ملذات الحياة تنسيك ذكر الموت
لماذا وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه الكرام للإكثار من ذكر الموت؟.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ))
يَعْنِي الْمَوْتَ.
[أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم, والطبراني في المعجم الأوسط, والإمام أحمد في مسنده, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه]
أكثروا: ليس الأمر منصباً على هاذم اللذات، بل على الإكثار من ذكر هاذم اللذات، وهذا الحديث صحيح, والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى، وصيغة هذا الحديث مصدرةٌ بفعل أمر أكثروا.
وفي حديث آخر:
((أكثروا ذكر هادم اللذات، فإنه ما ذكره أحد في ضيق العيش إلا وسعه عليه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه))
إن كنت غافلاً مع السعة ذكرك الموت بمغادرة الدنيا، وإن كنت في ضيق مع القلة ذكرك الموت في الآخرة, فتنسى ما أنت فيه.
نصيحة لكل مسلم :
الذي أتمناه على أخوتنا الكرام أن يفهموا: أن الدين ليس كما يفهم كثير من الناس؛ صومٌ وصلاة وحجٌ وزكاة، بل والفهم السليم: أن الدين منهج تفصيلي، لا أبالغ أنّ فيه عشرين أو ثلاثين ألف بند فهذه بنود الدين، الذي يكثر من ذكر الموت إنسان يطبق سنة النبي، يطبق منهج الله عز وجل، والموت يأتي فجأةً، بغتةً.
نقطة هامة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ
-يعْنِي الْمَوْتَ-:
أكثروا ذكر هاذم اللذات، فإنه ما ذكره أحد في ضيق العيش إلا وسعه عليه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه))
السعة مع الغفلة علاجها التفكر بالموت، والضيق مع اليأس علاجه التفكر بالموت، فبالسعة يذكرك, وفي الضيق يذكرك، في السعة ينقذك من غفلتك, وفي الضيق ينقذك من غفلتك.
هذه مهمة الموت :
إذا طالب لم يذكر الامتحان في أثناء العام الدراسي فقد أخطأ, أما إذا ذكر الامتحان؛ وقد وزعت الأوراق, وقرع الجرس, ووزعت الأسئلة, فالمراقب, والامتحان صار أمراً مصيرياً، نجاح أو رسوب، النجاح يعني نال رضى من حوله, ونال بعض الميزات.
هذا الطالب الذي نال الدرجة الأولى على القطر, سئل مرة: بمَ نلت هذه الدرجة؟ قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني ولا ساعة طوال العام الدراسي.
والمؤمن الصادق المتفوق مغادرة الدنيا لا تغادر ذهنه إطلاقاً, فهو يعمل بدأب, وليس فقط يعمل, بل حتى إذا قامت الساعة يعمل, ويستمر في عمله.
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ, فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ))
يعمل, ويؤسس عملاً, ويدرس, وينال شاهدات، ويتوظف ويشتري بيتاً، ويتزوج ويسكن, كل هذا لا علاقة له بالموت، الموت يحميك أن تخطئ، يمنعك من أن تعصي الله عز وجل، يمنعك من أن تأخذ ما ليس لك، الموت يمنعك أن تقف في طريق الإيمان، الموت سور ودافع، يدفعك إلى الله, وسور يقيك الزلل والانحراف، لذلك:
فإنه ما ذكره أحد في ضيق العيش إلا وسعه عليه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه.
من هو أعقل إنسان في مقياس النبي عليه الصلاة والسلام؟ :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:
((كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ, فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا, قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا, وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا, أُولَئِكَ الأكْيَاسُ))
قد يكون مشتركاً في رحلة, فيكتب كل حاجاته, لكيلا ينسى شيئاً, ثم يضع هذه الحاجات في المحفظة، معه بطاقة السفر, والجواز, والمال اللازم, وأرقام الهواتف اللازمة، وبعض الألبسة، والعدة التي يستعملها كل يوم، معه كتاب يقرؤه، آلة حاسبة يحسب عليها، لقد كتب كل الحاجات, عندئذٍ يمضي رحلة موفقةً ناعمةً، والاستعداد من علامات العقلاء، وأخطر حدث عند الناس الموت, أما أن يسكن في بيت فهذا مهم, وكذلك أن يعمر بيتاً، وأن يزوج أولاده، ولكن أخطر حدث على الإطلاق المغادرة -الموت- وما أدخله في حساباته، فلذلك:
الاستعداد للموت بكثرة العمل الصالح
النبي الكريم عندما سئل:
((فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا, وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا, أُولَئِكَ الأكْيَاسُ))
[أخرجه ابن ماجه في سننه]
أولئك الأكياس؛ أن تكثر ذكر الموت, وأن تكثر من الاستعداد له؛ بالتوبة, وبالوصية, وبالعمل الصالح، وبإنفاق المال، وبالدعوة إلى الله، وبالنهي عن المنكر, والأمر بالمعروف، وبخدمة الخلق، وبالإكثار من العبادة، نوافل العبادات طلب العلم، قراءة القرآن.
أعقل الإنسان في مقياس النبي -عليه الصلاة والسلام-: من أكثر ذكر الموت وأكثر الاستعداد له.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ, وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا, وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ))
[أخرجه الترمذي في سننه] إسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم
حاسب نفسك :
أخ كريم يعمل في عمل تكنولوجي, معقد جداً وموفق جداً, فقال لي مرة: معملٌ طلبني, لأن عنده مشكلة في الحاسوب الآلي, والحاسوب الصناعي, فطلبت مبلغاً من المال, فصاحب المعمل صعب، فاستكثر المبلغ, وبدأ يكثر من مشاحنته لتخفيض الأجرة، فقال لي: تكلمت كلمة خطأً لكن وقتها ما انتبهت لها، قال لصاحب المعمل: أنا لست بحاجة لك وأنت بحاجة لي, عجبك هذا المبلغ -كلمة فيها اعتداد، فيها قسوة، تحكم- فصاحب المعمل أذعن له، وقال له: تفضل أصلح هذا الخلل، قال: في كل حياتي إصلاح الخلل نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة, خبير خبرة عالية جداً, ودارس في أعلى البلاد, وقد تفوق في هذا الموضوع، ثم مضت ساعة, ساعتان, خمس ساعات, ثماني ساعات, الطريق مغلق، ثاني يوم ثماني ساعات, الطريق مغلق، ثالث يوم لا زال الطريق مغلقاً, أقسم بالله ثمانية أيام، فلم يعد الأجر موافقاً للمدة ولا مائة, ضعف المبلغ، كان ترتيبه نصف ساعة وتنتهي العملية، لكن الالتزام بإصلاح الخلل لا بالوقت، بعد ثمانية أيام توقفت عن العمل، قلت: لأراجع نفسي, لعل هناك مشكلة -يبدو أن دينه جيد- فاعتذر من صاحب المعمل, وخلا بنفسه, وحاسب نفسه, أي ذنب ارتكبته حتى سد علي باب إصلاح هذا الخلل؟ إلى أن اهتدى إلى هذه الكلمة التي قالها باعتزاز واعتداد، إذ قال له: أنت بحاجة إلي, إن شئت فهذا هو المبلغ, فاستغفر الله عز وجل, وتاب إليه, ودفع صدقة تكفيراً لذنبه، ثم قال: والله في اليوم التاسع أو العاشر أقسم بالله بأقل من ربع ساعة انتهى الموضوع وتم إصلاح الخلل.
حاسب نفسك:
((ما من عثرة, ولا اختلاج عرق, ولا خدش عود, إلا بما قدمت أيديكم, وما يعفو الله عنه أكثر))
هذا حال المسلمين اليوم :
عدم إتباع الهوى
فالكيس من دان -أي حاسب نفسه- وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها, وتمنى على الله الأماني.
هذا حال المسلمين اليوم, يتبعون أنفسهم هواها, وهناك دعاء يرددونه: يا رب ارحمنا ، يا رب اغفر لنا ذنوبنا، يا رب نحن عبيد إحسان لسنا عبيد امتحان، يا رب لا يسعنا إلا فضلك، هذا كلام فارغ, لأنه لا استقامة, ولا انضباط, ولا نية بالتوبة، بل أحدهم مقيم على ما هو عليه, وبلسانه يسترضي الله عـز وجل, والاسترضاء يكون بالعمل لا باللسان.
من علامة الإيمان :
عن أنس -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
((أكثروا ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب, ويزهد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم)) (ضعيف جداً - الالباني ضعيف الجامع الصغير 3035)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
لماذا وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه الكرام للإكثار من ذكر الموت؟ :
أيها الأخوة الكرام, لا زلنا في موضوع الموت، والموت أشد الأحداث واقعيةً في المستقبل، ما من حدث في المستقبل أشد لصوقاً بالإنسان, وأشد واقعيةً من الموت، والتفكير في هذا الحدث الخطير تفكير جاد واقعي مهم جداً، لنرى:
لا تدع ملذات الحياة تنسيك ذكر الموت
لماذا وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه الكرام للإكثار من ذكر الموت؟.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ))
يَعْنِي الْمَوْتَ.
[أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم, والطبراني في المعجم الأوسط, والإمام أحمد في مسنده, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه]
أكثروا: ليس الأمر منصباً على هاذم اللذات، بل على الإكثار من ذكر هاذم اللذات، وهذا الحديث صحيح, والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى، وصيغة هذا الحديث مصدرةٌ بفعل أمر أكثروا.
وفي حديث آخر:
((أكثروا ذكر هادم اللذات، فإنه ما ذكره أحد في ضيق العيش إلا وسعه عليه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه))
إن كنت غافلاً مع السعة ذكرك الموت بمغادرة الدنيا، وإن كنت في ضيق مع القلة ذكرك الموت في الآخرة, فتنسى ما أنت فيه.
نصيحة لكل مسلم :
الذي أتمناه على أخوتنا الكرام أن يفهموا: أن الدين ليس كما يفهم كثير من الناس؛ صومٌ وصلاة وحجٌ وزكاة، بل والفهم السليم: أن الدين منهج تفصيلي، لا أبالغ أنّ فيه عشرين أو ثلاثين ألف بند فهذه بنود الدين، الذي يكثر من ذكر الموت إنسان يطبق سنة النبي، يطبق منهج الله عز وجل، والموت يأتي فجأةً، بغتةً.
نقطة هامة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ
-يعْنِي الْمَوْتَ-:
أكثروا ذكر هاذم اللذات، فإنه ما ذكره أحد في ضيق العيش إلا وسعه عليه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه))
السعة مع الغفلة علاجها التفكر بالموت، والضيق مع اليأس علاجه التفكر بالموت، فبالسعة يذكرك, وفي الضيق يذكرك، في السعة ينقذك من غفلتك, وفي الضيق ينقذك من غفلتك.
هذه مهمة الموت :
إذا طالب لم يذكر الامتحان في أثناء العام الدراسي فقد أخطأ, أما إذا ذكر الامتحان؛ وقد وزعت الأوراق, وقرع الجرس, ووزعت الأسئلة, فالمراقب, والامتحان صار أمراً مصيرياً، نجاح أو رسوب، النجاح يعني نال رضى من حوله, ونال بعض الميزات.
هذا الطالب الذي نال الدرجة الأولى على القطر, سئل مرة: بمَ نلت هذه الدرجة؟ قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني ولا ساعة طوال العام الدراسي.
والمؤمن الصادق المتفوق مغادرة الدنيا لا تغادر ذهنه إطلاقاً, فهو يعمل بدأب, وليس فقط يعمل, بل حتى إذا قامت الساعة يعمل, ويستمر في عمله.
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ, فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ))
يعمل, ويؤسس عملاً, ويدرس, وينال شاهدات، ويتوظف ويشتري بيتاً، ويتزوج ويسكن, كل هذا لا علاقة له بالموت، الموت يحميك أن تخطئ، يمنعك من أن تعصي الله عز وجل، يمنعك من أن تأخذ ما ليس لك، الموت يمنعك أن تقف في طريق الإيمان، الموت سور ودافع، يدفعك إلى الله, وسور يقيك الزلل والانحراف، لذلك:
فإنه ما ذكره أحد في ضيق العيش إلا وسعه عليه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه.
من هو أعقل إنسان في مقياس النبي عليه الصلاة والسلام؟ :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:
((كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ, فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا, قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا, وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا, أُولَئِكَ الأكْيَاسُ))
قد يكون مشتركاً في رحلة, فيكتب كل حاجاته, لكيلا ينسى شيئاً, ثم يضع هذه الحاجات في المحفظة، معه بطاقة السفر, والجواز, والمال اللازم, وأرقام الهواتف اللازمة، وبعض الألبسة، والعدة التي يستعملها كل يوم، معه كتاب يقرؤه، آلة حاسبة يحسب عليها، لقد كتب كل الحاجات, عندئذٍ يمضي رحلة موفقةً ناعمةً، والاستعداد من علامات العقلاء، وأخطر حدث عند الناس الموت, أما أن يسكن في بيت فهذا مهم, وكذلك أن يعمر بيتاً، وأن يزوج أولاده، ولكن أخطر حدث على الإطلاق المغادرة -الموت- وما أدخله في حساباته، فلذلك:
الاستعداد للموت بكثرة العمل الصالح
النبي الكريم عندما سئل:
((فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا, وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا, أُولَئِكَ الأكْيَاسُ))
[أخرجه ابن ماجه في سننه]
أولئك الأكياس؛ أن تكثر ذكر الموت, وأن تكثر من الاستعداد له؛ بالتوبة, وبالوصية, وبالعمل الصالح، وبإنفاق المال، وبالدعوة إلى الله، وبالنهي عن المنكر, والأمر بالمعروف، وبخدمة الخلق، وبالإكثار من العبادة، نوافل العبادات طلب العلم، قراءة القرآن.
أعقل الإنسان في مقياس النبي -عليه الصلاة والسلام-: من أكثر ذكر الموت وأكثر الاستعداد له.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ, وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا, وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ))
[أخرجه الترمذي في سننه] إسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم
حاسب نفسك :
أخ كريم يعمل في عمل تكنولوجي, معقد جداً وموفق جداً, فقال لي مرة: معملٌ طلبني, لأن عنده مشكلة في الحاسوب الآلي, والحاسوب الصناعي, فطلبت مبلغاً من المال, فصاحب المعمل صعب، فاستكثر المبلغ, وبدأ يكثر من مشاحنته لتخفيض الأجرة، فقال لي: تكلمت كلمة خطأً لكن وقتها ما انتبهت لها، قال لصاحب المعمل: أنا لست بحاجة لك وأنت بحاجة لي, عجبك هذا المبلغ -كلمة فيها اعتداد، فيها قسوة، تحكم- فصاحب المعمل أذعن له، وقال له: تفضل أصلح هذا الخلل، قال: في كل حياتي إصلاح الخلل نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة, خبير خبرة عالية جداً, ودارس في أعلى البلاد, وقد تفوق في هذا الموضوع، ثم مضت ساعة, ساعتان, خمس ساعات, ثماني ساعات, الطريق مغلق، ثاني يوم ثماني ساعات, الطريق مغلق، ثالث يوم لا زال الطريق مغلقاً, أقسم بالله ثمانية أيام، فلم يعد الأجر موافقاً للمدة ولا مائة, ضعف المبلغ، كان ترتيبه نصف ساعة وتنتهي العملية، لكن الالتزام بإصلاح الخلل لا بالوقت، بعد ثمانية أيام توقفت عن العمل، قلت: لأراجع نفسي, لعل هناك مشكلة -يبدو أن دينه جيد- فاعتذر من صاحب المعمل, وخلا بنفسه, وحاسب نفسه, أي ذنب ارتكبته حتى سد علي باب إصلاح هذا الخلل؟ إلى أن اهتدى إلى هذه الكلمة التي قالها باعتزاز واعتداد، إذ قال له: أنت بحاجة إلي, إن شئت فهذا هو المبلغ, فاستغفر الله عز وجل, وتاب إليه, ودفع صدقة تكفيراً لذنبه، ثم قال: والله في اليوم التاسع أو العاشر أقسم بالله بأقل من ربع ساعة انتهى الموضوع وتم إصلاح الخلل.
حاسب نفسك:
((ما من عثرة, ولا اختلاج عرق, ولا خدش عود, إلا بما قدمت أيديكم, وما يعفو الله عنه أكثر))
هذا حال المسلمين اليوم :
عدم إتباع الهوى
فالكيس من دان -أي حاسب نفسه- وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها, وتمنى على الله الأماني.
هذا حال المسلمين اليوم, يتبعون أنفسهم هواها, وهناك دعاء يرددونه: يا رب ارحمنا ، يا رب اغفر لنا ذنوبنا، يا رب نحن عبيد إحسان لسنا عبيد امتحان، يا رب لا يسعنا إلا فضلك، هذا كلام فارغ, لأنه لا استقامة, ولا انضباط, ولا نية بالتوبة، بل أحدهم مقيم على ما هو عليه, وبلسانه يسترضي الله عـز وجل, والاسترضاء يكون بالعمل لا باللسان.
من علامة الإيمان :
عن أنس -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
((أكثروا ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب, ويزهد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم)) (ضعيف جداً - الالباني ضعيف الجامع الصغير 3035)
الغني بعد ثوانٍ صار خبراً على الجدران, كل ممتلكاته انتقلت لغيره، بالإضافة إلى حاجاته الخاصة، له خزانة صغيرة في البيت, فيها بعض الهدايا الثمينة التي أهديت إليه يوماً، يؤخذ المفتاح، وتفتح مركبته, ما كان يعيرها لأحد, تركب من بعده، بيته يُسكن من بعده، امرأته قد تتزوج من بعده، أولاده بعد حين ينسونه, فلا بد من التفكر بالموت، الإنسان حينما يؤمن بالله عز وجل, ويصطلح معه, فالموت لا يرعبه كثيراً، الإنسان يخاف الموت بقدر ذنوبه، والدليل: قال تعالى:
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
[سورة الجمعة الآية: 6]
علامة أن تكون مع الله في أحسن حال: ألّا تخاف الموت، علامة أنك مؤمن, ولك عمل طيب: أنك لا تخشى الموت، أما الظالم يكره الموت.
((أكثروا ذكر الموت, فإنه يمحص الذنوب, ويزهد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم)) (ضعيف)
قف هنا :
ومر عليه الصلاة والسلام بمجلس قد استعلاه الضحك -فقد ترى جلسة بنزهة, فيها ضحك غير معقول، صوت مرتفع, وحركة, وتمطٍ، وتعليقات-.
قال:
((هؤلاء لو عرفوا ما أمامهم لما ضحكوا هذا الضحك، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً))
( صحيح دون قصة المرور بالناس )
أن يعلم الإنسان أن أمامه سؤالاً فهذا ضروري، والحساب دقيق، وأمامه جنة أو نار إلى الأبد، شيء مخيف، شيء مصيري.
سيدنا عمر يقول: عجبت لمؤمل والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أساخط عنه الله أم راضٍ؟.
بم نصح النبي هذا المجلس الذي مر من حوله؟ :
مر عليه الصلاة والسلام بمجلس قد استعلاه الضحك, فقال عليه الصلاة والسلام:
((شوبوا مجلسكم بمكدر اللذات)) ( ضعيف الجامع الصغير 7152 للالباني )
-الذين تجاوزوا الأربعين أو الخمسين في الأعم الأغلب أكثر أبناء جيله نصفهم تحت الأرض، قد يموت إنسان بالتسعين، بالمائة، وأنت في الخمسين تقول: بيننا وبينه أمدٌ بعيد، أما حينما يموت أقران الإنسان، ومن هم في سنه، من هم في مستواه، فالقول الحق: أنتم السابقون ونحن اللاحقون، لذلك:
من دخل الأربعين دخل في أسواق الآخرة .
نحن في رحلة فإذا مضى ثلثا الوقت, فالوقت المتبقي يخصص للاستعداد للعودة، سافر إلى أي مكان، فالرحلة عشرة أيام, وبعد اليوم السابع تفكر في العودة، في قطع التذاكر، في جمع الأغراض، في شراء الهدايا، في اختيار المركبة المناسبة، بعد اليوم السابع التفكير ينعكس، كيف نعود؟:
ومن دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة.
ولحكمة بالغة بالغة أرادها الله، أنواع الموت لا تعد ولا تحصى، من موت بلا سبب إطلاقاً، إلى مرض يدوم ثلاثين سنة طريح الفراش, يعني بأعلى درجات القوة يموت.
ماذا تستنتج من هذا المثال؟ :
اليوم ذكرت مثلاً في جامع الطاووسية, ولقي المثل وقعاً حسناً: تصورنا سباق سيارات في طريق عريض، عشرة مسارب, وهناك ألف سيارة للسباق بأنواع مختلفة من أكبر الحجوم إلى أصغر الحجوم، من أغلى الماركات إلى أصغر الماركات, من أقوى المحركات إلى أضعف المحركات، كل هذه السيارات الألف تتسابق، هذا الطريق العريض الذي فيه عشرة مسارب ينتهي بجدار خمسين متر، السيارة الأولى نزلت، الثانية نزلت، الثالثة نزلت، الضعيفة نزلت، الغالية نزلت، الرخيصة نزلت، آخر واحدة نزلت، أجّل واحدة نزلت، هذا لم يعد سباقاً.
هذا مثل سباق الدنيا؛ الغني يموت، الفقير يموت، القوي يموت، الضعيف يموت، الذكي يموت، الأحمق يموت، الكافر يموت، كلهم يموت.
تعددت الأسباب والموت واحد :
تنوعت أسباب الموت ولكن الموت واحد
قالت له: أخاف أن أموت من هذا الطبيب, فقال لها: طبعاً ستموتين وأنا سأموت.
رجل سأل طبيباً: نسبة نجاح العملية كم؟ قال له: بالمائة ثمانون، قال له: كيف؟ قال: إذا أجرى العمليةَ عشرةُ أشخاص فيموت اثنان، فقال: لا أريد, لأني أريد بالمائة مائة، فقال: لو كانت النتائج بالمائة مائة لما مات أحد.
أحياناً لأتفه سبب: عملية لوزات يموت منها الإنسان، إنسان بمنصب رفيع جداً, كل أطباء النسائية تحت يده موظفين عنده، وله زوجة, قال: بأول ولد فظل شهراً وهو يبحث عن أمهر طبيب، له سمعة طيبة, أخلاقه عالية, وخبرته طويلة، فاستقر رأيه أخيراً على أحد الأطباء, فكانت منيتها على يديه أثناء الولادة، وأحياناً بدوية يأتيها المخاض, وهي في الطريق تلد, وتقطع الخلاص بحجرين.
دخل الموت في حساباتك :
الموت عجيب! قد يفاجئ الشاب وهو بالخمسة عشر.
أعرف أسرة مات لها أول ابن في الثانية والعشرين, والثاني في الثالثةِ والعشرين، شابان في هذه الأسرة توفيا في حادث سير.
كل إنسان له منية، العاقل هو الذي يستعد لهذا الحدث الذي لا بد منه-.
حينما رأى النبي هذا المجلس قد أخذه الضحك, وقال:
((شوبوا مجلسكم بمكدر اللذات، قالوا: يا رسول الله, وما مكدر اللذات؟ قال: الموت)) ( سبق ضعفه )
دخل الموت في الحسابات.
أمر غريب :
ذهبت إلى بيروت ذات مرة, فلفت نظري محل تجاري، -أغرب محل رأيته في حياتي- يبيع لوازم الموتى، فليس عنده ولا زبون، يبدو أن ذوي الكنائس والمساجد الذين يتعاملون مع تكفين الميت, يذهبون إلى هناك ليشتروا الحاجات، والإنسان يريد بضاعة يستعملها وهو حي.
وصفة طبية :
احمد الله على صحتك
وحدثنا شيخ قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى رجلاً, فقال:
((أكثر ذكر الموت يسليك عما سواه))(لايصح)
العوام لهم كلمات لها معنى عميق: إذا ضاقت عليكم الصدور عليكم بزيارة القبور.
فأنا أنصح كل أخ بأن يزور مستشفى ومقبرة، يرجع مرتاح النفس، كل مريض له وضع لا يُحتمل وأنت معافى، وليس من إنسان مات إلا بدفتره جدول أعمال، فهناك إنسان عنده تسعون بنداً مثلاً وآخر أكثر أو أقل، وجاءه الموت قبل إنجاز هذا كله.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا أنس من أصحابه غفلةً، نادى فيهم بصوت رفيع:
((أتتكم المنية راتبةً لازمةً إما شقاوة وإما سعادة)) ( ضعيف الجامع الصغير 1098)
أنا أقول لكم: إذا الإنسان نفسه -بالتعبير الدارج- قرنت عليه، تعلقت بالدنيا, وأبت أن تنصاع لأمر الله، فالموت أفضل علاج لها.
هل فكرت بهذه اللحظة؟ :
لي صديق توفي بحادث, فأحببت أن أراه في المستشفى, بعد أن وضع بالبراد، فقلت لطبيب صديقي هناك: أريد أن أشاهده, ففتح الباب فهالني المنظر؛ رفوف رفوف، صواني ستانلس, كلها معبأة بأشخاص, عرفت من لباسهم أنهم أغنياء، أو فقراء، أو أصحاب أعمال حرة.
واقعة :
مرة في طريقي إلى المغرب, وفي الطائرة مررت بتونس, فلا بد من انتظار ساعة في المطار، وبينما أنا جالس قرب النافذة في مواجهة مدخل البضائع والأمتعة, فلم ألبث أن فوجئت بنعش، له أوراق تخليص, فكان شخصاً فصار بضاعة، وله أوراق يخلص كما تخلص البضاعة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا أنس من أصحابه غفلةً، نادى فيهم بصوت رفيع:
((أتتكم المنية راتبةً لازمةً إما شقاوة وإما سعادة)) ( سبق ضعفه)
من القصور إلى القبور :
من القصور إلى القبور
أعرف رجلاً ما رأيته ولكن سمعت عنه، كان على مستوى من الأناقة والذوق ما يفوق حد الخيال، دخلت إلى بيته بعد وفاته، فابنه صديقي، فرأيت ما لا يوصف: التزيينات والثريات، الأجنحة الشرقية، الأجنحة الغربية، اللوحات، الفازات، كل فاز ارتفاعه ثلاثة أمتار ، بالملايين ثمنه، هو يبيع تحفاً، توفي في أيام مطيرة جداً فلما أخذ ليدفن، فكان القبر يسيل عليه سياقات من المياه السوداء.
قال لي مدير معمله: بقيت أسبوعاً لم آكل الطعام لسوء المنظر, وهناك وضعوا معلمي الأنيق، صاحب الذوق، الذي أدواته تلفت النظر، حاجاته الشخصية، فرش بيته, قبر في مياه سوداء, سألوا ابنه, قال لهم: ضعوه ماذا نفعل؟.
من العبر :
شخص عمّر فيلّا, شاهدته سنة الأربع والسبعين بحلب، الفيلّة كِلفتها سنة الأربع والسبعين خمسةٌ وثلاثون مليون، فيها رخام –أونكس- بخمسة ملايين، طبعاً المهندسون الذين عمروها أجانب، قطعة من عجائب الدنيا، مات صاحبها بالثانية والأربعين، وهو طويل القامة, وكان القبر لحكمة أرادها الله قصير، فلما وضعوه ما اتسع لحجمه، فماذا يفعلون؟ جاء الحفار فدفعه بصدره فصار رأسه مطوياً على جسده.
حقيقة ثابتة :
الإنسان بحياته كم حفار؟ إذا كان منعماً فعنده حفار غرفة النوم، يريد حفرة ناعمة، مظللة، معتقة، وآخر حفار بحياته حفار القبر.
مرة دفنا أخاً كريماً، لكن أعرفه أنيقاً جداً, وضعوا البلاطة, وظل فراغ أربعة سم, عندما أهالوا التراب بالمجرفة, نزل فوقه كيلوات من التراب.
هذا من باب الحقيقة الثابتة، بعد مائة عام، الله يطول أعماركم كلكم، ويمتعكم بصحتكم وأولادكم، ويرزقكم عملاً صالحاً، ولكن بالنهاية نموت كلنا، بعد مائة سنة من الآن هل ترون أحداً منا جالس هنا؟ ولا واحد, كلنا تحت أطباق الثرى مرهونون بأعمالنا، الإنسان
لا بد ميت، قال تعالى:
﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾
[سورة الزمر الآية: 30]
هذه الكلمة التي تقال عند رأس كل ميت :
ذات مرة -لن أنسى هذا الموقف, وأذكره لكم الآن- كنت في مكان فجرى حديث ديني، شخص أعجب بهذا الحديث, فدعانا إلى سهرة، واتفقنا كل أسبوع عند كل واحد سهرة لطيفة، هذا الرجل منعم، تاجر كبير عنده معامل، وفي بيته أناقة غير معقولة, شخص ذواقة، موضوع طويل لا يهمنا، الذي يهمنا أنه بأحد الأيام خرج من معمله إلى البيت, فنسي أين بيته؟ تذكر بيت ابنه, فذهب إليه, وقال له: يا بني أين بيتي؟ أصابه فقدان ذاكرة جزئي، بعد حين خبرني ابنه قائلاً: إن والدي توفي، فذهبت إلى بيتهم -له شيخ من علماء الشام الكبار المحترمين، طبعاً- قدم شيخه ليلقي كلمة قبل أن يصلى عليه، توقعت كلمة ربع ساعة, فقال:
أخوانا الكرام, أخوكم أبو فلان ترحموا عليه كان مؤذناً.
أنا تصورت أنه سيتكلم عنه ساعة، لروعة بيته، معمله فسيتكلم عنه ساعتين، فقد صمت بيته ورحلاته، أناقة فرشه، أذواقه بالطعام، هذا كله لا يتكلم عند الموت، لا يتكلم إلا العمل الصالح.
قال شيخه: وكان كلما جاء إلينا, أدعوه ليؤذن بدلاً من مؤذن هذا المسجد، فقد كان صوته حسناً.
ما نوع بيتك؟ يا ربي فيه جبصين يأخذ العقل، هل تستطيع أن تتكلم هذا يوم الأجر؟ لا تتكلم في القبر، كنت أملك ثلاث سيارات؛ واحدة للسفر وازنة، وواحدة للمدينة خفيفة من أجل أن أصُفَّها في أي مكان، وواحدة للمعمل، هل يتكلم هذا يوم الأجر؟ عندي أرصدة وأموال منقولة وغير منقولة، أنا عندي معمل له ثلاثة خطوط هاتف، أو خمسة خطوط، لا يسمح لك إلا أن تقول شيئاً إلا العمل الصالح.
هذا ما كان يصنعه النبي حينما يحس أن الناس في غفلة :
كان عليه الصلاة والسلام إذا أحس من الناس بغفلة، جاء فأخذ بزاوية الباب, ثم هتف ثلاثـاً: يا أيها الناس، يا أهل الإسلام, أتتكم المنية راتبةً لازمةً، جاء الموت بما جاء به، جاء بالروح والراحة والكثرة المباركة لأولياء الرحمن -من أهل الخلود؟ هم الذين كان سعيهم ورغبتهم فيها- ألا وإن لكل ساع غايةً, وغاية كل ساع الموت.
سابق ومسبوق.
النبي الكريم -عليه أتم الصلاة والتسليم- يقول:
((كفى بالموت واعظاً)) ( السلسلة الضعيفة 502 ولكنه صح موقوفاً على عمار وعلي رضوان الله عليهم )
شيء مؤلم :
أكثرُ شيءٍ يؤلمني: أن الناس الذين يمشون بالجنازة, حديثهم عن الدنيا وما فيها.
مرة مشيت في جنازة, فأكثر شيء آلمني: أن اثنين جنبي, يتحدثان عن العقد الفلاني والصفقة الفلانية، وفلان خصم عليّ مبلغاً, وأنا أريد أن أخصم عليه، الميت أمامك وحديثك مِن مكان الخروج وإلى المقبرة حول الحسابات والتجارات والصفقات!!.
يقول سيدنا سعد: ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس -من هذه الثلاثة-؛ ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها.
طرفة :
كل انبثاق فجر هي فرصة لك
هناك طرفة: إنسان سأل فقيهاً, فقال له: أين أمشي وأنا أشيع الجنازة؛ أأمشي أمامها أم خلفها أم عن يمينها أم عن شمالها؟ فقال هذا الفقيه مداعباً: لا تكن في النعش وسر أينما شئت.
إذا مات شخص فالبقية لديهم بحبوحة، أفسح لهم في أجلهم، أنت حينما تستيقظ, يعني أن الله سمح لك أن تعيش يوماً آخر.
((ما من يوم ينشق فجر إلا وينادي منادٍ: يا بن آدم, أنا خلق جديد, وعلى عملك شهيد, فتزود مني, فإني لا أعود إلى يوم القيامة))
هذه الفائدة التي نستخلصها من مشاهد الموتى :
مرة زرت كلية الطب، وبدافع الفضول أردت مع بعض صحبي: أن نشاهد المكان الذي يجري فيه تشريح الأموات، قال لي الآذن: هنا مصنع عال مملوء بمادة معينة، فيه ما بين عشرين إلى ثلاثين جثة، ضمن المحلول، فهذا ظاهرة يده وذاك رجله وهناك رأس بارز، هم مغطّسون بمحلول, لكن الذي لفت نظري عَصى فيها شنكل، فقلت: لمَ هذه؟ فقال: من أجل أن يسحبوا بها الموتى واحداً واحداً.
فهذا الميت مثلاً, كان شخصاً، له بيت، وأولاد، وزوجة، كان يخيف أحياناً، أو كان جميل الصورة، كان له طعام خاص يحبه، كان له جلسات، قام بنزهات كثيرة, فأين هذه النزهات؟ بالعصا ذات الشنكل سحبهُ ورفعه.
مشاهد الموتى مفيدة جداً، لو مَرّت جنازة ولا تعرف صاحبها اتبعها, فعندما يفتحون النعش، ويحملون الميت، ترى كيف التفت الساق بالساق, ويدخلونه إلى القبر, ويضعون الرقاقة وانتهى, هذا مصير كل واحد.
من هو الأحمق؟ :
مرة حضرت تغسيل ميت، فالمغسل بعد أن انتهى وكفنه، جاء بقطعة قماش قطعها بأسنانه, فصارت طويلة, أنزلها بالماء من أجل أن تمسك جسد الميت, ولف رجليه، وشدها وعقدها, بحيث لا تنفك عنه حتى تبلى، هذا معنى قوله تعالى:
﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾
[سورة القيامة الآية: 29-32]
خلال خمس وثلاثين سنة ما صلى فرض صلاة، ولا حج ولا اعتمر, وترك خمسة آلاف مليون، وكان في بلاد الحجاز مقيماً في جدة ووافته المنية هناك.
فالإنسان إذا عاش من دون هدف أحمق، فالذي يجمعه في حياته كلها, يأخذه الموت في ثانية واحدة.
الإنسان لا يعرف متى يموت وكيف يموت؟ :
يوجد سلطان ظالم غشوم، أحب أن ينتقم من شيخ النجارين، فطلب منه شيئاً فوق طاقته ، قال له: أريد منك مائة كيس نخالة أو نشارة، فلا يجتمع له ذلك ولا بسنتين، أو يقتله هذا الملك, فَهِمَ النجار أنه مقتول, فكتب وصيته, وودع أولاده، وفي الفجر طرق الباب فقبّل أولاده ، لأنه ظن أنه مقتول لا محالة، فقيل له: الملك مات, نريد أن تصنع له نعشاً.
سبحان من قهر عباده بالموت.
الإنسان لا يعرف متى يموت؟ وكيف يموت؟.
وهناك شخص غادر إلى أمريكا بمهمة رسمية, وفي المطار وهو جالس على كرسي في المطار فارق الحياة، سافر عشرين ساعة في الجو ليموت في مطار واشنطن.
شاب خطب فتاة مات, وترك أموالاً طائلة ولم يعقد العقد، فهي تمنت لو أنه قد كتب الكتاب لكان لها أموال طائلة.
سؤال وجه إلى النبي :
قيل:
((يا رسول الله! هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال: نعم, من يذكر الموت في اليوم والليلة)) (لا أصل له ! )
وقال تعالى:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾
[سورة الملك الآية: 2]
أحسن عمل, قال:
((أكثركم بالموت ذكراً, وأحسنكم له استعداد، وأشدكم خوفاً وحذراً)) ( لا اسناد له )
معنى هذا الحديث :
رجل جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
((يا رسول الله, مالي لا أحب الموت؟؟ قال: ألك مال؟ قال: نعم، قال: قدمه أمامك, فإن قلب المؤمن مع ماله؛ إذا قدمه أحب أن يلحق به، وإن أخره أحب أن يتأخر معه))(ضعيف )
إذا إنسان يائس من بلد، باع البيت وحَوّله للخارج، باع السيارة وحولها, باع المعمل وحوله، ولم يدع شيئاً، بعد أن حول أمواله, قدم جواز السفر ليأخذ سمة خروج, وفي المطار أخذ بالصعود وإلى الطائرة، وأنا أعتقد أن هذا الإنسان الذي بهذه الصفات أسعد لحظات حياته عندما ركب سلم الطائرة، لأنه قدم ماله أمامه، وكذلك المؤمن إذا قدم ماله أمامه، سره اللحاق به، والذي خَلَّفه وراءه آلمه فراقه.
((فإن قلب المؤمن مع ماله؛ إذا قدمه أحب أن يلحق به، وإن أخره أحب أن يتأخر معه))(لا يثبت)
كفى بالموت واعظاً :
وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- قال: كفى بالموت واعظاً، وكفى بالدهر مفرقاً.
اليوم في الدور وغداً في القبور.
انظر غرفتك؛ أربعة في أربعة, والسقف ثلاثة ونصف مدهن، معلقة به ثريا, مقعد وثير، هاتف، سرير مريح، غرفة الطعام، غرفة الضيوف، مطبخ، حمام، المائة متر سوف تصبح خمسة وستين سم عرضاً بمائة وثمانين سم طولاً، لا يوجد دهان, ولا رخام, ولا سيراميك، ولا ألمنيوم, ولا برونز, ولا شيء, بل على الأرض, سيشيع إلى مثواه الأخير.
وما أكثر عبد ذكر الموت إلا ترك الفرح والحسد، ومن أكثر من ذكر الموت قل فرحه وقلَّ حسده، وكفى بالموت مزهداً في الدنيا مرغباً في الآخرة.
استعد للموت قبل الموت :
وقال النبي الكريم لأحد أصحابه:
((استعد للموت قبل الموت))( لا يثبت)
مرة قرأت كلمة في مدينة فاس في المغرب، فيها منطقة إسلامية, وشوارع ضيقة، ومسجد مشهور جداً، مكتوب على بعض المحلات: صلِّ قبل أن يصلى عليك.
بعض العلماء يقول:
ما أحد ينزل المــوت حق منزلته إلا عبد عد غـداً ليس من أجله
كم من مسـتقبل يـوماً لا يستكمله وكــم مـِنْ راجٍ غداً لا يبلغه
إنـك لو تـــرى الأجل ومسيره لأبغضــت الأمـل وغـروره
وقال بعض العلماء: انظر: فالذي تحب أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم، وانظر الذي تكره أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم واخرج عنه، وكل عمل كرهت الموت من أجله فاتركه، ثم لا يضرك متى مت.
والحمد لله رب العالمين
sarh1212- عدد المساهمات : 46
نقاط : 4538
السٌّمعَة : 13
تاريخ التسجيل : 21/10/2012
رد: توجيه النبي عليه الصلاة والسلام في ذكر الموت لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بارك الله فيكم . موضوع مفيد في هذه الاونة التي انكب الناس فيها طلباً لنيل ملذات الدنيا الفانية , فصار لزاماً بيان ان الموت مستقبل كل انسان يحيى في هذه الحياة الدنيا , فنسأل الله حياة طيبة مرضية , وميتة سوية .
ويجدر التنبيه الى ان المحاضر وقعت منه بضعة احاديث ضعيفة , قد قمت بتدوينها الى جانب كل حديث اخرجه باللون الاحمر .
والله الموفق .
ويجدر التنبيه الى ان المحاضر وقعت منه بضعة احاديث ضعيفة , قد قمت بتدوينها الى جانب كل حديث اخرجه باللون الاحمر .
والله الموفق .
أبو بكر- مراقب عام
- عدد المساهمات : 45
نقاط : 3839
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 19/09/2014
مواضيع مماثلة
» المرأه فى حياة الرسول عليه افضل الصلاة والسلام
» كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
» كتاب: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
» أبناء النبي صلا الله عليه وسلم
» هل رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الله تعالى مباشرة في اليوم الذي رأى فيه الجنة والنار
» كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
» كتاب: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
» أبناء النبي صلا الله عليه وسلم
» هل رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الله تعالى مباشرة في اليوم الذي رأى فيه الجنة والنار
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى