: نور وظلمات
صفحة 1 من اصل 1
: نور وظلمات
[b][i]أيها الأحبة في الله ..حديثي إليكم عن نور وظلمات فيا ترى.. ما هذا النور وتلك الظلمات؟؟
إن هذا النور هو نور الحق الذي بعث فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
فأشرقت به الأرض والسماوات.. ودخل الناس بهذا النور أفواجاً بعد الظلمات
إن هذا النور هو طريقنا إلى الجنات..إن هذا النور هو ما بينه القرآن وبينته السنة على لسان رسولنا وقدوتنا وإمامنا ..ونورنا إذا احلولكت المصائب والبليات.. أيها الأحباب..يقول الله تعالى مبيناً ذلك النور من تلك الظلمات
فمن يتدبر القرآن..ومن يتعظ بالقرآن؟؟ ومن يعمل بذاك النور ويبتعد عن الظلمات؟؟
اسمعوا أيها الإخوة والأخوات كلام الله عن النور والظلمات
اسمع لتلك الحياة الحقيقة بعد الموت في الظلمات
قال تعالى
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام-122]
يقول السعدي يرحمه الله في تفسيره لهذه الآية بكلام جميل جداً
إن هذا الكلام هو الذي يهدينا في الظلمات
يقول رحمه الله :أومن كان قبل الهداية في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي
فأحييناه بنور العلم والإيمان والطاعة، فصار يمشي بين الناس بهذا النور متبصراً في أموره ،مهتدياً لسبيله، عارف للخير مؤثراً له، مجتهداً في تنفيذه،
عارفِ للشر مبغضاً له، مجتهداً في تركه ، أيستوي هذا بمن هو في الظلمات ..ظلمات الجهل والكفر والمعاصي؟؟ انتهى كلامه رحمه الله
كلا والله أيها الأحباب ..لا يستوي هذا النور بهذه الظلمات ، كلا والله .وقد قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) [الرعد : 16]
وقال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ * وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَآءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ اِنَّ اللـه يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ) ( فاطر/19-22)
أسمعتم؟ أسمعتم يا من يريد النور؟ أسمعتم كلام الله ؟
إذاً هيا لبيان النور من الظلمات..هيا لنعرف حقيقة ذلك النور من تلك الظلمات .
إن هذا النور الذي نريده ونتمناه يجعل العبد يخشى الله ويخاف عقابه وسخطه ، ويجعله يعمل على نور من الله بطاعته سبحانه، يرجو ثواب الله ،ويترك
المعاصي..على نور من الله يخاف عقابه، إن هذا النور الذي نبحث عنه
يجعل الواحد منا يعظم الله أشد التعظيم ،فيطيع العبد ربه ولا يعصيه ، ويذكره
ولا ينساه، ويشكره ولا يكفره أبداً، يشكره بقلبه ولسانه وحركاته وسكناته
وجميع جوارحه..إن هذا النور يجعل العبد ينظر إلى ما أمامه وإلى خلفه
وعن يمينه وشماله ،فلا يجعل للشيطان عليه سبيلاً أبداً ،كأنه ماشٍ في طريق
في شوك ،فيحذر الشوك من جميع الجهات خوفاً على النور الذي معه
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ..ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك
يحذر ما يرى ..لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى
إن هذا النور أيها الأحباب.. هو من أعظم أسباب الفوز والفلاح في الدنيا
والآخرة، لماذا أيها الإخوة والأخوات؟؟ لأنه والله وصية الله للأولين والآخرين
قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]
فهل نلتزم بهذه الوصية التي لها النور لنا في الدنيا والآخرة أم نتركها خلف
ظهورنا؟ فتكون عاقبتنا الظلمات في الدنيا والآخرة والعياذ بالله
أيها الأحبة.. إن هذا النور هو حاذي الأرواح إلى بلاد الأفراح
نعم.. إنه حاذي النفوس الأبية التي لا ترضى بالدون والقليل ، إنها النفوس
المؤمنة التقية ، التي دائماً تسأل ربها الجنة ..انظروا إلى نفوس الصحابة
رضوان الله عليهم لما سألوا نبيهم صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل
الناس الجنة فقال : (تقوى الله، وحسن الخلق) وسئل عن أكثر ما يدخل
النار قال: (الفم والفرج) فهلا اتعظنا بذلك؟ وبذلنا أرواحنا وأموالنا وأوقاتنا في سبيل الجنة ..أم أننا والعياذ بالله تقاعسنا عن ذلك ..نسأل الله السلامة والعافية
إن هذا النور أيها الأحباب يظهر على الإنسان في أقواله وأفعاله وحركاته،فإذا
ما أردت أن تحكم على إنسان أنه يخاف الله ويتقيه ،فانظر إلى أقواله وأفعاله
فتحكم عليه،فإذا ما رأيت أقواله وأفعاله التقوى فقد كساني نفسه بلباس التقوى
الذي هو خير وقد قال تعالى:)(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) ([الأعراف\26]
إذا المرء لم يلبس لباس التقى....تقلب عرياناً ولو كان كاسياً
وخير لباس المرء طاعة ربه....ولا خير في من كان لله عاصياً
ولا خير أيها الأحباب والله في من كان لله عاصياً لأنه والعياذ بالله في الظلمات
إن هذا النور والله هو أهم من الطعام والشراب ،فلو فقد الإنسان الطعام والشراب
ومات من شدة الجوع وهو متقٍ لله ،فهو مغفور له بإذن الله، ولكن لو مات من
شدة الجوع وهو في أوحال الظلمات والمعاصي والموبقات والمحرمات ،فيا
خسراه ويا ندامتاه يوم القيامة وقد قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ) [البقرة\197]
تزود من التقوى فإنك لا تدري....إذا جن ليلاً هل تعيش إلى الفجر
وكم من صحيح مات من غير علة....وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
أرأيتم أيها الإخوة والأخوات نوراً أفضل من هذا النور؟؟
هل مر بكم صفاته وكراماته وخيريته أحسن من هذا النور؟؟
وهل هناك أحد غير الله أخبر بنور غير هذا النور؟؟ كلا وربي لا يوجد أحد
أخبر من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..كلا والله لا يوجد نورٍ أحسن
من نور على نور ،يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ،كلا والله
لا يوجد نور يهدى به الإنسان من الظلمات إلى النور أفضل من نور الله
وقد قال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النور\35]
بين الله أيها الأحبة في هذه الآية أنه سبحانه نور بذاته ،وبين تعالى أن كتابه
نور وشرعه نور، والإيمان نور ،والتقوى نور،ومثل الله هذا النور بالمصباح
ووجه المثل هو حال المؤمن المستهدي بنور الله ،المستهدي بنور العلم والإيمان
والتقوى ،ويضرب الله الأمثال للناس ليتفكروا وليبحثوا عن هذا النور المفقود
عند كثير من الناس اليوم
يا رب إنك للخلائق نور....يسفي الضلال فيسقط الديزور
وتضيء ألباب البرايا بالنهى....فتعود بالآي الحصيف تمور
وبك النفوس تعيش كل سكينة....لا الخوف يضنيها وليس تخور
فاملأ إلهي باليقين صدورنا....ليعم فينا راحة وسرور
إذاً هيا أيها الأحباب نسارع إلى هذا النور هيا نبحث ،ونعمل، ونجتهد،
لكي يتحصل لنا النور من الله تعالى وقد قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران\133]
ثم اعلموا أيها الأحباب علم اليقين أن هذا النور الذي نسعى إليه إذا
وجد في واحد منا ،فسينال صاحبه أنواراً من الله في الدنيا ،ونور عند
اللحظات الحاسمة عند الموت، ونور في قبره، ونور في عرصات يوم القيامة
وخصوصاً عند جسر جهنم ،ونور في الجنة ونعيمها ..فتعالوا معنا نأخذ الأنوار
نوراً نورا في الدنيا، إلى أن نصل إلى الجنة مكان النور ،تعالوا نعدد الثمرات
والأنوار للمتقين في الدنيا ..فأول ثمرة يجنيها المتقي صاحب ذاك النور وأول
نور يحصل عليه ،وأول وسام يأخذه إن كان من المتقين في الدنيا أنه ينتفع
بالقرآن ،فالمتقين دائماً يسمعون القرآن فينتفعون بتلاوته وينتفعون به ،لا
يحدثون أنفسهم بشيء إذا قرأ القرآن ،إلا بالقرآن ..فالقرآن عندهم بستان
العارفين ،أينما حلوا منه حلو في رياض نضرة، المتقين أهل تدبر وتفكر
واتعاظ بالقرآن ، اسمع لمحمد ابن المنكدر عندما سأله أبو حازم عن البكاء
طيلة ليله فيقول : آية من كتاب الله أبكتني وهي قوله تعالى (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)
وقال طبيب القلوب وهيب ابن الورد :لم نجد شيئاً أرق للقلوب ولا أشد استجلاباً
للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره ..فرحم الله أيها الأحباب أقواماً كانوا إذا
مروا بآية فيها ذكر النار ،فكأن زفيرها في آذانهم
منع القرآن بوعده ووعيده....مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك الجليل كلامه....فهماً تذل له الرقاب وتخضع
ثم اسمع لعبد الرحمن التميمي إذ يقول : لأغلبن الليلة على المقام. قال : فلما صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه. قال : فبينما أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه! قال فبدأ بأم القران فقرأ حتى ختم القران فركع وسجد ثم أخذ نعليه فلا أدري أصلى قبل ذلك شيئا أم لا
فقد كان يرحمه الله يقرأ القرآن في ركعة ثم يوتر فيها في حديث إسناده صحيح
قال ابن كثير في تفسيره :روي عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر\9]
قال ابن عمر :هو عثمان ابن عفان ..هو عثمان ابن عفان
وقال ابن سيرين : قالت امرأة عثمان حين قتل رحمه الله والله لقد قتلتموه
وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة .
أرأيتم الحياة الحقيقية للمتقين، عندما يكون القرآن ربيعاً لقلوبهم
ثم اسمع لهذا الخبر وهذا النور من أنوار التقوى بالقرآن...
ذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار عن إمام المدينة نافع ابن عبد الرحمن
يرحمه الله .. أن رجلاً ممن قرأ على نافع قال : إن نافعاً كان إذا تكلم يشم
من فيه رائحة المسك ،فقلت له يا أبا عبد الله أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس
فقال: والله ما أمس طيباً ،ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
وهو يقرأ في في فمن ذلك الوقت أشم من في هذه الرائحة ...فرحم الله شيخ
القراء نافعاً فقد قرأ على سبعين من التابعين وأقرأ الناس دهراً طويلاً، وجعل
الله القرآن نوراً له في الدنيا ،ونوراً لنا ..نسأل الله أن يكون لنا نوراً في الدنيا
وفي الآخرة ..إنه ولي ذلك والقادر عليه
سل القلوب التي لاذت من خالقها وأشعلت لسن الإيمان قنديلاً
سل العيون التي فاضت مدامعها من خشية الله إشفاقاً وتبجيلاً
سل النفوس التي بالأمس يوقظها كتاب ربي فتحيي الليل ترتيلا
سل المحاريب كم ضجت بمبتهلِ وكم ترقرق فيها الدمع مسبولاً
تاقت إلى الحور والفردوس أنفسهم فذللوا دربهم للخلد تذليلاً
قد أدخلوا جنة الدنيا فواله في ممن يقاسي لظى الحرمان مغلولاً
والله والله أيماناً أصيح بها لا والذي نزل القرآن تنزيلاً
من لم ينل جنة الدنيا فحاجبه عن جنة الخلد قلب بات سجيلاً
نعم... من لم ينل أيها الأحبة جنة الدنيا بذكر الله وبالقرآن ، فهو عن
جنة الخلد قلب بات سجيلاً
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا محبة الله لهم ومعيته لهم في الدنيا
والذي يدل ذلك من الأدلة في الكتاب والسنة قوله تعالى:
(بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )
ثم اعلموا أيها الأحباب أن الله إذا أحب عبداً ،وضع له القبول في الأرض
فيقبل الناس منه كلامه ودعوته وأمره ونهيه على نهج من الكتاب والسنة
نسأل الله أن يحبنا الله وأن نكون مع الأنبياء والرسل ثم الأمثل فالأمثل.
أيها الأحباب ،ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ،أن المتقين لا يخافون من
كيد الكائدين ولا عدوان المعتدين مهما كادوا ومكروا واعتدوا على المؤمنين
المتقين ..فالله مع المتقين...فالله مع المتقين
(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [ال عمران\54]
استمع لهذه القصة من خبر ذاك العابد الزاهد الورع التقي الربيع ابن خثيم
حيث إن أناس أرادوا المكيدة للربيع وفتنته عن الحق والنور، وأرادوا إضلاله
فأمروا امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع ابن خثيم لعلها تفتنه، وجعلوا
لها إن فعلت ذلك ألف درهم فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت
بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها ،فراعه
أمرها ،فأقبلت عليه وهي سافرة فقال لها الربيع بقوة وحزم : كيف بك لو قد
نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لون بهجتك ،أم كيف بك لو قد نزل
بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتيد ،أم كيف بك لو سألك منكر ونكير فصرخت
المرآة صرخة فسقطت مغشياً عليها...
يقول الراوي :فوالله ..لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم ماتت
كأنها جذع محترق أرأيتم أيها الأحبة أن نور التقوى لم يفقد بل أعطاه الربيع لتلك المرأة التي كانت تعيش في الظلمات فعاشت بذلك النور إلى أن ماتت على العبادة يرحمها الله..
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ،أن الله يمد المتقين بمدد من السماء
بأنهم أولياء الله تعالى ،فولي الله مستجاب الدعوة..فلماذا مستجاب الدعوة ؟؟
لأنه متق لله ،يمشي بنور الله ،فنور الله يهديه في الظلمات ،ويصرف عنه المكر
والكيد في الأزمات ..تأملوا أيها الأحباب حال نبيكم صلى الله عليه وسلم في
غزوة بدر ومعه نفر قليل ،عددهم قليل بالنسبة لعدد المشركين ولكن الله
نصر نبيه وصحابته الكرام على أعدائهم ،وما ذلك أيها الأحباب إلا بنور التقوى
واليقين والصدق مع الله فقال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (آل عمران \123)
تأملوا هذه الآية بقلوبكم، تجدون أن الذي نصر القوم هو نور التقوى كما هو
واضح في الآية، ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ،أن التقوى تحجب
وتمنع صاحبها من الزيغ والضلال بعد الهداية ..نعم أيها الأحبة ،التقوى
تكون حجاباً لصاحبها في الدنيا من الانحراف والانتكاس بعد ما من الله عليه
بالالتزام والهداية، والذي يدل لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث
عرض الفتن عن القلوب فقال : (فمن القلوب من ينكر الفتن ويبتعد عنها )
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (يكون متق لله )لذلك فلا تضره فتنة مادامت
السماوات والأرض وهذا وعد من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، قال تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتًاوَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً)
اسمع لهذه القصة ،قصة ذاك الشاب المتقي لله ،الذي حماه الله من الزيغ و
الضلال والولوع في أوحال الظلمات ،ظلمات الكفر والموبقات والمعاصي
قيل لأبي بكر المسكي إنا نشم منك رائحة المسك مع الدوام ،فما سببه
يرحمك الله ؟ فقال والله لي سنين عديدة لم أستعمل المسك ولكن سبب ذلك
أن امرأة احتالت علي حتى أدخلتني دارها وأغلقت دوني الأبواب وراودتني
عن نفسي ،فتحيرت في أمري فضاقت بي الحيل،فقلت لها إن لي حاجة إلى
الطهارة.فأمرت جارية لها أن تمضي بي إلى بيت الراحة ..ففعلت،فلما دخلت بيت
الراحة أخذت العذرة –أكرمكم الله- وألقيتها على جميع جسمي ثم رجعت إليها وأنا على تلك الحالة فلما رأتني دهشت ثم أمرت بإخراجي فمضيت واغتسلت فلما كانت تلك الليلة رأيت في المنام قائلاً يقول : ( فعلت ما لم يفعله أحد غيرك لأطيبن ريحك في الدنيا والآخرة ) فأصبحت والمسك يفوح مني واستمر ذلك إلى الآن.
أرأيتم الرجال أيها الأحباب ،وحياتهم ،وكراماتهم بسبب تقواهم وإخلاصهم لله
إنهم رجال ركبوا تلك السلامة وجروا بريح التقوى والاستقامة ،فقطعوا بحار
العقب والندامة ،ونجوا من الأهوال يوم القيامة فقال فيهم الشاعر
لله قـوم لـدار الخلـد أخلصهـم ..وخصهم لجزيـل الملـك مولانـا
فلو تراهم غداً فـي دار ملكهـم ..قد توجوا من حلي الكون تيجانـا
وقد دعاهم إلى الفردوس سيدهـم ..إلي الزيـارة والتسليـم ركبانـا
قد جاوزوا دار السلام وقـد ..أبدي لهم وجهه الرحمن سبحانـا
خـروا سجوداً فناداهـم بعزتـه ..إني رضيت بكـم قربـاً وجيرانـاً
إني خلقت لكـم دار النعيـم فـلا.. ترون بؤساً ولا تخشون أحزانـا
وهو الجزاء مني لكم على عمـل.. أخلصتموه وكنتـم فـي إخوانـا
أيها الأحباب..ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ..أن التقوى تفتح لأصحابها
البركات من السماء والأرض ،فينال المتقي لله البركة في رزقه وماله وأولاده
ووقته وجميع ما يملك ،وجميع أفعاله وحياته،فهو رجل مبارك لأنه متقي لله
بأقواله وأفعاله ،قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)
لكنهم لم يؤمنوا حقيقة الإيمان ،لكنهم لم يتقوا الله حقيقة التقوى ،فكانت
العقوبات كما ترون وكانت نزع البركات وكثرة الآفات ،فالجزاء والله يا أيها
الأحباب من جنس العمل ..ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ،أن التقوى
تجعل صاحبها يفرق بين الحق والباطل ،وينال العبد بعدها الفضل العظيم
من الله تعالى بتكفير السيئات وتبديلها حسنات من الله، ثم ينال العبد بعدها
مغفرة الله ورحمته ورضوانه إلى يوم القيامة ،قال تعالى مبيناً ذلك :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
فيعرف العبد بعد ذلك الحلال والحرام ،ويعرف المشتبهات فلا يقع في الفتن
والضلال،فينال بعد ذلك الأجر العظيم من الله والثواب الجزيل منه سبحانه
ويمشي المتقي بنور من الله تعالى، بنور العلم والهدى في ظلمات الجهل
والسيئات ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد\27]
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن الله يحمي عبده المتقي المؤمن من
الشيطان وجنده يحميه من همزه ولمزه ونفخه ،يحميه من وسوسته
وإغوائه وكيده ،يحميه من طرقه ومداخله وشبهاته المضلة لبني البشر، يحميه من
أمره ونهيه وضلاله وتزيينه وتلبيسه ،قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ)
ففرق الله في هذه الآية بين المتقين، الذين إذا أحسوا بالذنب أو فعلوا الذنب
رجعوا إلى الله ،واستغفروا وأنابوا واستدركوا ما فات منهم بالتوبة النصوح
على عكس إخوان الشياطين ،وأولياء الشيطان، فهم لا يزالون من الغواية
والضلال من الشيطان كأنهم مسلسلين بالقيود والعياذ بالله .
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن أهل التقوى دائماً في ذكر وتوبة
واستغفار الله في كل حال، في الحل والترحال ،وخصوصاً وقت السحر،
وقت النزول الإلهي ، قال تعالى (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) من هم ؟؟ (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)
وإليكم أيها الأحبة هذه النماذج عن حال وأنوار المتقين في الدنيا ،وذكرهم
لله وشدة عبادتهم له باستغلال أوقاتهم للذكر والعبادة
ذكر الحافظ البزار في الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية قدس الله روحه
قال عنه
(أما تعبده رضي الله عنه فإنه قل إن سمع بمثله لأنه قد قطع جل وقته وزمانه فيه حتى انه لم يجعل لنفسه شاغل يشغله عن الله تعالى)
يقول: (فلا يزال في الذكر يسمع نفسه ومن إلى جانبه ،هكذا دأبه رحمه الله
حتى ترتفع الشمس )
يقول ابن القيم تلميذه يرحمه الله في الوابل الصيب يقول : سمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية قدس الله روحه يقول: ( الذكر للقلب مثل الماء للسمك ،فكيف يكون
حال السمك إذا فارق الماء ) فسبحان الله ..سبحان الله من أشهد عباده جنته
قبل لقائه ،وفتح لهم أبوابها في دار العمل ،فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها
ما استفرغ قواهم لطلبها .. قال بعض العارفين : مساكين أهل الدنيا ،خرجوا
من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها .قيل وما أطيب ما فيها ؟ قال :محبة الله
ومعرفته وذكره ..وقال آخر : إنه لتمر للقلب أوقات يرقص فيها القلب طرباً
فأقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إن هم والله لفي عيش طيب
يا من يذكرني بعهد أحبتي .. طاب الحديث بذكرهم ويطيب
أعد الحديث علي من جنباته ..إن الحديث عن الحبيب حبيب
حبيب ملأ الضلوع و فاض عن أجنابها.. قلب إذا ذكر الحبيب يذوب
ما زال يخفق ضاربا بجناحه.. يا ليت شعري هل تطير قلوب
وقال ابن القيم رحمه الله : محبة الله ومعرفته ودوام ذكره هو جنة الدنيا
وهو النعيم الذي لا يشبهه نعيم ، وهو قرة عيون المحبين وحياة العارفين
يا ذا الذي أنس الفؤاد..أنت الذي ما إن سواه أريد
تفنى الليالي والزمان بأسره..وهواك غضٌّ في الفؤاد جديد
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أيها الأحباب ، أن المتقين لله يحصل
لهم الفرج والمخرج من كل شدة ومشقة وكرب ،ويرزق الله المتقين من حيث
لا يحتسبوا ، وييسر الله بها أمورهم في الحياة والشواهد على ذلك كثيرة
قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )
( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق\4)
تأملوا حال المتقين في الدنيا ،وأنوار التقوى تشع من وجوههم ،تأملوهم وكيف
أن الله يفرج عنهم ويخرجهم من الكروب والشدائد ،وذلك بدعائهم وإخباتهم لله
حين الكرب، فهم أولياؤه المتقون ،كيف لا يفرج عنهم وهم متوكلون عليه؟
كيف لا ينجيهم القانتون العابدون التائبون إليه سبحانه وتعالى
اسمع هذا الخبر عن هذا الرجل المتقي لله ، إنه من السلف، إنه رجل جعل
تقوى الله نصب عينيه فلم يحد عنها يمنة ويسرى ، إنه الزاهد العابد التقي
إبراهيم ابن أدهم .. قال عبد الجبار ابن كليب : كنا مع إبراهيم ابن أدهم في سفر
فعرض لنا ( السبع ) فقال إبراهيم دعاء وقال قولوا به فإن الله يحرسكم به قال قولوا : اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام , واحفظنا بركنك الذي لا يرام , وارحمنا بقدرتك علينا , لا نهلك وأنت رجائنا يا الله يا الله
قال الراوي : فولى السبع هاربا ، فأنا أدعوا به عند كل أمر مخوف فما رأيت من هذا الدعاء إلا خيرا
وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان ( أن إبراهيم بن أدهم في البحر، وهبت ريح، واضطربت السفن، وبكى الناس، فقيل لبعضهم: هذا إبراهيم بن أدهم، لو سألتموه أن يدعو الله فهو مستجاب الدعوة
وكان إبراهيم قائماً في ناحية من السفينة ملفوفاً رأسه ،فد دنا إليه رجل لا يريد
إبراهيم أن يعرفه وقال: يا أبا إسحاق، ما ترى ما فيه الناس؟ ادع لهم وأنت
ترى حالهم ..فرفع رأسه، وقال: اللهم قد رأيتنا قدرتك فأرنا رحمتك.
قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك..يقول الراوي فهدأت السفن.)
أرأيتم أيها الأحباب كيف ينجي الله المتقين بدعائهم، أرأيتم نور التقوى ماذا
تفعل بأصحابها في الدنيا .. فماذا ننتظر أيها الأحبة بعد ذلك؟؟
ماذا ننتظر ؟؟أننتظر أن يمدنا الله بالتقوى بدون عمل ..كلا والله فإن السماء لا
تمطر أبداً ذهباً ولا فضة .
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ..أن المتقين هم دائماً أهل خشية والإنابة
هم أهل العظة والاعتبار هم أهل الزواجر .. وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم
(هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ )
فالمتقون ،هم أهل البكاء من خشية الله ،إذا ذكرت النار خافوا وفزعوا ،إذا ذكر
القبر ارتعدت فرائسهم خوفاً أن يكون مصيرهم العذاب في النار وبأس القرار
فعن عبد الله ابن الشخير رضي الله عنه قال ( رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ) بأبي هو وأمي يبكي
حتى يبل ثوبه ،ويبل الثرى بدموعه ونحن أيها الأحباب والله، تمر علينا الآيات
والمواعظ والزواجر ولا نبكي إلى قلوبنا القاسية من كثرة الظلمات وقد قال تعالى
(فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر\22)
مر النبي صلى الله عليه وسلم أيها الأحباب بقبر يدفنوه صحابته فبدر من بين
أيديهم ثم واجه القبر حتى بلّ الثرى من دموعه ، و قال عليه الصلاة و السلام : (أي أخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا . ) لمثل هذا اليوم فأعدوا .. فهل أعددنا أيها
الأحباب أنواراً ليوم القبر ،أم أعددنا ظلمات والعياذ بالله؟
لما احتضر سفيان الثوري جعل يبكي فقيل له: يا أبا عبد الله عليك بالرجاء فإن عفو الله أعظم من ذنوبك ,
فقال : أو على ذنوبي أبكي ؟؟؟ لو علمت أني أموت على التوحيد , لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا، ولكني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت
فيا سبحان الله .. يا سبحان الله
عوتب الحسن البصري في شدة حزنه وخوفه فقال :ما يؤمنني أن يكون الله
تعالى قد اطلع فيّ على بعض ما يكره فمقتني فقال: اذهب فلا غفرت لك
فرحم الله البكائين من خشية الله، رحم الله المتقين لله خوفاً من الله
رحم الله تلك الأنوار التي كانت تشع منها الصدق واليقين والخشية والخوف
من الله .. والله أيها الأحباب، لن تغني عنا الدنيا بملذاتها ولا شهواتها إذا نحن
لا نخاف من الله ، مثلما خافوه ، والله لن تنفعنا أموالنا ولا أولادنا ولا قصورنا
ولا دورنا إذا لم نعظمه سبحانه وتعالى أشد التعظيم ،ونخشاه أشد الخشية مثل
أولئك القوم الذين كانت حياتهم نوراً وتقوىً من الله
بكيت على هول الصراط وذكره ...وهول زفير النار من أعظم الذكر
وكيف يطيق الصبر من كان عاصيا... لخالق كل الخلق في السر والجهر
ومن يك ذا خوف شديد لهوله... فإن له أمنا من الهول في الحشر
فليس لمن يبكي لهول صراطه جزاء سوى دار النعيم مع الفخر
فيا له من هول فظيع يجوزه... رجال أطاعوا الله في سالف العمر
وبعد هذه الثمرات والأنوار من المتقين أيها الأحبة في الدنيا قبل الممات، نذكر
لكم تلك الأنوار في اللحظات الحاسمة ،تلك اللحظات الحرجة التي هي حسن
الختام للمتقين ،تلك السكرات التي قال عنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
(إن للموت سكرات ) الله هون علينا سكرات الموت
ثم انظر لحال المتقين في اللحظات الأخيرة وهم يرجعون للدنيا.. انظر لحالهم مع
هذه القصة المؤثرة لرجل كان من المتقين ،انظر لحاله عند الموت، هذه القصة
والله حقيقية.يرويها ولد ابنه فيقول : كان جدي حافظاً لكتاب الله ويعلم الناس
بدون أجر، فكبر سنه ورق عظمه ،وبلغ من الكبر عتياً ،حتى أنه فقد الذاكرة
فنسي جميع من يعرفهم ،حتى أسماء أبنائه ..واستمرت هذه الحالة عشرين سنة
ولكن العجيب ..أنه إذا قرأ القرآن وكنت بجواره أسمعه لا يخطئ في حرف واحد
أبداً، وفي يوم من الأيام ،وفي وقت السحر ،وقت نزول الرحمن الذي يليق
بجلاله، وإذا بجدي ينادي باسم أبي :يا عبد الله ..يا عبد الله ..وقد نسيه منذ
عشرين سنة ،فرح أبي وانطلق إلى غرفة أبيه فرحاً بأنهم استعاد الذاكرة فقال
ماذا تريد يا أبي فقال: فكان جدي رحمه الله ينظر إلى ناحية من الغرفة فقال:
يا بني ..هل ترى هذين الرجلين الجميلين، الذي يرتدي كل واحد منهما عمامة
بيضاء .؟ التفت أبي فما رأى شيئاً..فقال يا أبي.. إني لا أرى شيئاً فقال جدي
يرحمه الله : صدق الله حين قال (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)
وكأن الله يشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البراء ابن
عازب (أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر) الحديث
ثم يقول :فرفع جدي سبابته ثم قال :أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً
رسول الله ..ثم فاضت روحه إلى الله نسأل الله أن يبعثه يوم القيامة قارئاً للقرآن
انظر يا أخي في الله إلى هذه الخاتمة الحسنة أن يموت الإنسان قارئاً لكتاب الله
ويحشر على هذه الحال،أو أن يموت والعياذ بالله مغنياً أو مطبلاً ،نسأل الله
السلامة والعافية
ثم انظروا أيها الأحباب وتأملوا حال المتقين في البرزخ، كيف أن الله سبحانه
وتعالى يفتح للمتقي باقة من الجنة ،يأتيه من روحها ونسيمها وطيبها،ويقال
له نم نومة العروس حتى تقوم الساعة ، ثم انظر لحال المتقين يوم القيامة
حيث أن الله سبحانه وتعالى حكى ذلك في القرآن وقال في عرصات يوم القيامة
واسمعوا لهذه الآيات فوالله إن فيها أنوار للمتقين يوم القيامة ،يقول:
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
هذا هو الفوز أيها الأحبة،و والله هذا هو الفوز العظيم للمتقين كيف كانت حياتهم
كيف كانت أقوالهم ،كيف كانت أوقاتهم ،إنها تقوى من الله وخوف وخشية منه
سبحانه وتعالى..أعلمتم أيها الأحبة علم اليقين بعد هذه الثمرات والأنوار للمتقين
كيف أن الله أعطاهم الجزاء الأحسن والأفضل لهم ،وهل جزاء الإحسان إلا
الإحسان، إذا علمنا ذلك فلماذا لا نسارع إلى الجنة ؟لماذا لا نشتاق إلى الجنة
لماذا لا نعمل بنور التقوى والإيمان حتى نصل إلى الجنة التي هي ميراث المتقين
قال تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً ) (مريم \63)
فيا من يريد العاقبة الحميدة ،ويريد قبول الأعمال الصالحة له ،ما عليك إلا أن
تلحق بركاب المتقين ،فالجنة لا يدخلها إلا المتقين قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص\83)
وشتان أيها الأحبة بين نور المتقين وظلمات المعاصي والظالمين
شتان بين النور والظلمات....نزلت بذلك محكم الآيات
يا غافلاً والموت يطلبه أما....فكرت فيما تمضي الساعات
أقبل على الرحمن واطلب عفوه....فعسى المهيمن يغفر الزلات
أقصاك ليل الجهل والران الذي....أغشى فؤادك حالك الظلمات
ماذا جنيت به سوى الألم الذي ....أسقاك طعم مرارة المأساة
فالذنب أعظم ما يخاف ويتقى ....وعليه تسكب أصدق العبرات
وأطار نوم الصالحين فليلهم ....قد طاب بين تبتل وصلاة
سئمت عيونهم لذاذات الكرى....وترفعت ورعاً عن القلوات
فأنار قيوم السماء وجوههم....وأثابهم بإجابة الدعوات
تشكي قلوب ذوي المعاصي وحشة....وتعيش بين تولع وشتات
البر يحييها ويقتلها الخنى....هل يستوي الأحياء بالأموات
فالبر نور والمعاصي ظلمة....شتان بين النور والظلمات
أيها الأحباب،وبعد ذكر تلك النور والثمرات المتحققة للمتقين في الدنيا
وفي سكرات الموت، وفي القبر ،وفي عرصات يوم القيامة إلى أن يصلوا
إلى الجنة،نسأل الله أن نكون منهم ..تعالوا معنا أيها الأحباب،نبين لكم عكس
النور ..الظلمة ، بل ظلمات بعضها فوق بعض ، كما قال الله تعالى : (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذَا أخْرَجَ يَدَهُ لمْ يَكَدْ يَرَاهَا ومَّن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) (النور\40)
إنها والله أيها الأحبة ظلمات الإشراك بالله، والتعلق بغير الله ،إنهم يتعلقون
ويلتجئون لقبور لا تضر ولا تنفع والعياذ بالله، إنها ظلمات الجهل والمعاصي
والذنوب والموبقات، إنها ظلمات العصيان لله وترك الانقياد له سبحانه ، إنها
ظلمات التعدي والجور والظلم للنفس التي تؤدي بصاحبها إلى النار والخلود
فيها والعذاب المهين ، إنها ظلمات الفسوق والعصيان والكفر والطغيان وعصيان
المنان، إنها ظلمات الخطايا والسيئات ، والإثم والفساد والعتو والإصرار ،إنها
ظلمات الفتنة بالدنيا والمال والأولاد والزوجة والعياذ بالله..إنها ظلمات ضعف
الإيمان واليقين بالله، وعدم مراقبة الله عز وجل ،وعدم إجلاله ومحبته وتعظيمه
سبحانه وتعالى، إنها ظلمات الشبهات التي توقع صاحبها في القتل والإجرام
وهتك الأعراض، وقتل الأنفس المعصومة البريئة بدون وجه حق ، إنها ظلمات
الشهوات في النفوس ،من معاص وبدع ومحرماتٍ حتى توقع صاحبها في الشرك
والعياذ بالله ..إنها ظلمات سببها الشيطان الذي هو شيطان الإنس والجن كما قال
تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
فلنحذر من طرقه ومكره وكيده وضلاله ،نعوذ بالله من شره ونفخه ونفثه
أتعلمون أيها الأحبة سبب تلك الظلمات؟ إنها والله النفس الأمارة بالسوء
إنها عدو الإنسان ،فكم أدخلت تلك النفس للإنسان الشهوات ،وزينت له
الشبهات ،حتى أوقعته في بحار الظلمات ،كم زينت له النظر المحرم والكلام
المحرم والسماع المحرم ،فأفسدت له قلبه وعقله ولسانه وسمعه ويده فيصبح
العبد بعد ذلك غافلاً ساهياُ عن علام الغيوب ،ويصير والعياذ بالله كاللعبة في يد
الشيطان ،يحركه كيف شاء، يدخله من ظلمة إلى ظلمة ، فيعيش في أوحال
الظلمات، إنها والله ظلمات..إنها والله ظلمات ، بل ندامات وحسرات عند
السفرات..إنها ظلمات في الدنيا ، وظلمات عند الموت، وظلمات في القبر،
وظلمات في عرصات يوم القيامة ،وظلمات على جسر جهنم ،حتى يصل صاحب
تلك الظلمات إلى النار والعياذ بالله، نهارك يا مغرور سهو وغفلة ،وليلك نوم
والردى لك لازم ،وفعلك فعل الجاهلين بربهم ،وعمرك في النقصان بل أنت ظالم
فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم ،ولا أنت في النوام ناج فسالم ،تسر بما يفنى
وتفرح بالمنى، كما سر باللذات في النوم حالم، فلا تحمد الدنيا ولكن فذمها ولا
تكثر العصيان إنك ظالم..أيها الإخوة والأخوات ،إن للمعاصي والموبقات ظلمات
في الدنيا، وآثارها عديدة على الفرد والمجتمع والأمة بأسرها، فالمعاصي لها
ظلمات على القلب والبدن والدين والنفس ،وكذلك ظلماتها على الأمم والشعوب
وظلماتها كذلك على العمر والرزق والعلم والعمل ..أسمعتم ؟ أسمعتم ظلمات
المعاصي والموبقات ،فمن ظلمات المعاصي على القلوب أنها تسبب ضرراً على
قلوب العاصين كالسموم والمخدرات على الأبدان ،فيحرم صاحب ذاك القلب
نور العلم وتعمى بصيرته، وهدايته إلى الله ،فيصبح القلب قلباً مرباداً كالكوز
المجخية ،لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، فقلبه والعياذ
بالله بيت لا روح فيه ....جلس الشافعي يوماً بين يدي مالك يقرأ عليه فقال له
الإمام مالك ،واسمعوا لهذا الكلام النفيس أيها الأحباب من إمام دار الهجرة
قال للشافعي: إني قد أرى قد ألقى الله على قلبك نورا،فلا تطفئه بظلمة المعصية
فنظر الشافعي يوماً إلى كعب امرأة فأثر ذلك في حفظه فقال:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي ....فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ.... ونورُ الله لا يهدى لعاصي
نعم، والله نور الله لا يهدى لعاصي أيها الأحباب
ومن ظلمات المعاصي على القلوب ،أنها توهن القلب وتضعفه ،فيصبح
القلب غير معظم لله ،غير خائف من الله ،يستخفي هذا العبد من الناس
ولا يستخفي من الله كما قال تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) (النساء\108)
قال ابن عباس : إن للسيئة سواد في الوجه ،وظلمة في القلب،ووهناً في البدن
ونقصاً في الرزق ،وبغضة في قلوب الخلق . ومن ظلمات المعاصي على القلوب
أنها تحجبه عن الله ،فيألف المعصية ،وتصبح المعصية جزءً من حياته لا
يستطيع تركها ،فينسلخ قلبه ويكون أسيراً لشهوته والعياذ بالله ،فيطبع الله
على صاحب ذاك القلب كما قال تعالى : (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) العقوبة (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين\14-15)
ومن ظلمات المعاصي على قلوب العاصين ،أن الذنوب عنده سهلة وميسورة
وهينة على قلبه وعلى عينه ولسانه، على عكس ذاك المؤمن المتقي كما قال
ابن مسعود رضي الله عنه : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل ،خاف
أن يقع عليه ،وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على ذنبه وقال به هكذا .
ومن ظلماته على القلوب ،أنها تورث الذل في أصحابها ،فيذل ذاك الظالم لنفسه
نفسه ،ويحقر نفسه ،ويبيع عرضه،بل يبيع والعياذ بالله شرفه ونفسه ودينه من
أجل شهوته، لذلك كان من دعاء السلف واحفظوا أيها الأحباب هذا الدعاء
احفظوه جيداً، وكرروه في أدعيتكم ،كان من دعاء السلف (اللهم أعزني بطاعتك
ولا تذلني بمعصيتك ) فأبى الله أيها الأحباب والله إلا أن يذل من عصاه ،وإلا أن
يجعل ذل المعصية لا يفارق والعياذ بالله قلوب العاصين
رأيت الذنوب تميت القلوب...وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب...وخير لنفسك عصيانها
ومن ظلمات المعاصي أيها الأحبة على القلوب، أنها تطفئ غيرة القلب،فلا يغار
صاحب ذاك القلب على نفسه من المعاصي ولا على أهله ولا على الناس،فيشاهد
هو وأهله الفحش والفجور عبر الفضائيات ،يشاهد العار والشنار ،يشاهد الخنى
والعهر ،فلا يحرك ساكناً، بل ربما والعياذ بالله أثار غيره إلى مشاهدة ذلك فنسأل
الله السلامة والعافية.
أيها الأحباب..أرأيتم الظلمات؟ أرأيتم ذهاب الحياء من قلوب العاصين؟
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال : ( إن مما أدرك الناس من
كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت..)
فكم صنع الناس أيها الأحبة اليوم من أمور وموبقات ومهلكات، لا حياء فيها
كم رأى بعض الناس من المحرمات فأفسدت قلوبهم بل ربما نكست قلوبهم حتى
يرى الباطل حقاً والحق باطلاً، بل ربما اشترى الضلالة بالهدى وهو يرى أنه
على الهدى وقد قال تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف\103-104)
أيها الإخوة والأخوات ،كم أوقع العاصين أنفسهم في الظلمات ،حتى ضاقت
صدورهم ، وكثرت همومهم وأحزانهم في عدم حصول المعصية لهم
كم أوقع العاصين أنفسهم في الظلمات فلم يقبلوا الحق من العلماء وطلاب العلم
الأتقياء ،فعاشوا والعياذ بالله في الظلماء ،وقد قال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(الأنعام\125)
كم جلبت المعاصي أيها الإخوة والأخوات بأصحابها الذم بعد المدح
فصار يسمى العاق لوالديه، ويسمى الفاجر،ويسمى العاصي ،ويسمى
القاطع لرحمه ،ويسمى الكاذب والزاني والخائن والظالم ، كم جلبت المعاصي
لأصحابها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ، والعذاب الأليم في الآخرة
وقد قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) (طه\124-126)
كم جلبت المعاصي لأصحابها الصحبة الفاسدة السيئة ، التي تجره إلى الرذيلة
فيجتمع عنده قرين السوء والشيطان معاً ،وقد قال تعالى عن أولئك
(وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )(الزخرف\36)
الذي يعيش عن ذكر الرحمن ،الله يقيض له شيطان فهو له قرين يؤزه إلى
المعاصي أزاً ،كم جلبت المعاصي أيها الأحبة من تعسير الأمور، فيجد العاصي
الأبواب أمامه مقفلة ،ممحوق البركة في ماله ورزقه وولده وأهله ،وعظم تلك
الظلمات ضياع تعبه سدى وهباء منثوراً ، من صلاة وصيام وعبادة لأنه والعياذ
بالله يضيعها بمعاصيه وذنوبه ،فهو المفلس يوم القيامة كما أخبر بذلك رسولنا
صلى الله عليه وسلم .
ومن ظلمات المعاصي،ظلماتها على الرزق، فالمعاصي تحرم الرزق ،وتزيل النعم
وتحل النقم ،فما نزل بلاء إلى بذنب ،ولا رفع إلا بتوبة ،قال تعالى: (ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (الأنفال\153)
وكذلك المعاصي تمحق البركة في العمر والعلم والعمل ،فيعمر العاصي مئة سنة
أو أقل أو أكثر ،ولكنها ظلمات في ظلمات والعياذ بالله .
ومن ظلمات المعاصي ،ظلماتها على الأمم والشعوب التي كانت قبلنا ،فهي والله
سبب هلاكهم ودمارهم ،فبالله عليكم قولوا لي...ما الذي أخرج آدم وأمنا من
الجنة ؟دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب
أليست الذنوب والمعاصي؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده
ولعنه؟؟ أليس عناده واستكباره على الله؟ وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى
على الماء فوق رؤوس الجبال ؟أليست الذنوب والمعاصي يا عباد الله ؟
وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم
أعجاز نخل خاوية ،ودمرت ما مروا عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم
ودوابهم ،حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟أليست الذنوب والمعاصي يا
عباد الله ؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في
أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟أليست الذنوب والمعاصي؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ،ثم قلبها عليهم
الله ،فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً؟؟ أليست الذنوب والمعاصي يا عباد
الله؟؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ،فما صار فوق
رؤوسهم ،أمطر عليهم ناراً تلظى ؟أليست الذنوب والمعاصي ؟؟
وما الذي أغرق فرعون وقومهم في البحر ،ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم،فالأجساد
للغرق ،والأرواح للحرق ..أليست الذنوب والمعاصي؟ وما الذي خسف بقارون
وداره وماله وأهله ،وما الذي أهلك قارون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها
تدميراً..أليست الذنوب والمعاصي يا عباد الله ؟
لا شك بأن ما أصاب هؤلاء جميعاً وأهلكهم هي ذنوبهم ،وإن لم نرجع إلى الله
فسيهلكنا الله مثلما أهلكهم .
أيها الأحباب .. ومن ظلمات المعاصي ،نزول العقوبات المهلكة ،والأمراض
الفتاكة ،والأمراض المستعصية مثل الطاعون والإيدز ،وكذلك منع القطر من
السماء ،وإن نزل فهو بدون بركة ،ولولا البهائم أيها الأحباب لم نمطر .
وكذلك من الظلمات ومن العقوبات ،تسليط الأعداء علينا بسبب ذنوبنا ومعاصينا
فعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: ( يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن يا - وأعوذ بالله أن تدركوهن - : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)
لنتأمل أيها الأحباب قليلاً، فيما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام
يوم أحد،لما حصل منهم ذنب واحد ،فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين ،وليست
هزيمة،بل هو نصر لهم بعد أن كانوا منتصرين ...فكم من المعاصي أيها الأحباب
التي تكون عندنا اليوم عند المسلمين،التي سببت لنا الهزائم ولأمة الإسلام،سببت
لها هزائم كثيرة،فهي ضعيفة الشأن غير مرهوبة الجانب ،فنسأل الله بمنه وكرمه
أن يعز دينه وأن يعلي كلمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..أيها الإخوة والأخوات
هذه هي ظلمات المعاصي والموبقات على أصحابها في الدنيا ،أما ظلماتها عند
السكرات واللحظات الحاسمة، فندامات وحسرات وآهات ،وقد قال ت
fatoom- مشرفة
- عدد المساهمات : 1247
نقاط : 8481
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 11/02/2012
خاص للزوار
تردد1:
(0/0)
أسألة الزوار:
(50/50)
ddddddkkkkkkk:
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى