ما يحرم على الزوج
صفحة 1 من اصل 1
ما يحرم على الزوج
وفيه أربعة مطالب
المطلب الأول: الظهار.
المطلب الثاني:النهي عن أخذ شيء من أموال الزوجات.
المطلب الثالث: الميل.
المطلب الرابع: النهي عن البغي
المطلب الأول: الظهـار
الفرع الأول: تعريف الظهار:-
أ- لغـةً :-
جاء في لسان العرب لابن منظور([1]): الظَّهْر من كل شيء: خِلافُ البَطْن والظَّهْر من الإِنسان: من لَدُن مُؤخَّرِ الكاهل إِلـى أَدنى العجز عند آخره مذكر لا غير، والـجمع أَظْهُرٌ وظُهور وظُهْرانٌ ، والظهار من النساء،وظاهر الرجل امرأته مظاهرة وظهاراً إذا قال: هي علي كظهر ذات رحم([2]) .
ب- اصطلاحـاً:-
تنوعت تعريفات الفقهاء للظهار تبعاً لاختلافهم في بعض المسائل المتعلقة به، ونذكر من هذه التعريفات ما يلي:-
1. قال في المختار:هو" أن يشبه امرأته،أو عضواً يعبر به عن بدنها،أو جزءاً شائعاً منها بعضو لا يحل النظر إليه من أعضاء لا يحل له نكاحها على التأبيد"([3]).
2. قال خليل في مختصره:" تَشْبِـيهُ الْـمُسْلِـمَ الـمْكَلَّفِ مَنْ تَـحِلّ ، أَوْ جُزْءهَا بِظَهْرِ مَـحْرَمٍ ، أَوْ جُزْئِهِ: ظِهَارٌ"([4]).
3. جاء في مغني المحتاج:"الظهار تشبيه الزوجة غير البائن بأنثى لم تكن حلالاً"([5]).
4. وفي غاية المنتهى:"الظهار هو: أن يشبه امرأته أو عضواً منها بمن تحرم عليه ولو إلى أمد "([6]).
والتعريف الأخير رجحه بعض المتأخرين لوضوحه وشموله لبيان حقيقة الظهار([7]).
ولمعرفة العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي فإن الظهار: "مشتق من الظهر، وخصوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء ؛ لأن كل مركوب يسمى ظهراً لحصول الركوب على ظهره في الأغلب ، فشبهوا الزوجة بذلك"([8]) وبهذا تتضح العلاقة بين التعريفين([9]).
الفرع الثاني : الآية وسبب النزول :-
الآية المتعلقة بهذا الموضوع هي قوله تعالى:]الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ[ (المجادلة:2).
أما سبب النزول فتروي لنا كتب السنة عن" أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت([10]) وكان رجلاً به لمم ؛ فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته ؛ فأنزل الله تعالى فيه كفارة الظهار"([11]) ، و"معنى اللمم ههنا شدة الإلمام بالنساء ، وشدة الحرص والتوقان إليهن"([12])
وروى الطبري في تفسيره عن ابن عباس أن " أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت - أخو عبادة بن الصامت- وامرأته خويلة بنت ثعلبة بن مالك([13]) ، فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقا ؛ فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أوساً ظاهر مني ، وإنا إن افترقنا هلكنا ، وقد نثرت بطني منه ، وقدمت صحبته ، وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء ، فأنزل الله تعالى ]قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله[ إلى قوله تعالى ]وللكافرين عذاب أليم[
فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : أتقدر على رقبة تعتقها
قال: والله يا رسول الله ما أقدر عليها.
فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عنه ثم راجع أهله"([14]).
وقد اختلفت الروايات في اسم المرأة المظاهر منها فقيل: خولة ، وخويلة (مصغراً) ، و جميلة بنت مالك بن ثعلبة و بنت دليج (مصغراً) العوفية ، و سواء كان اسمها هذا أم ذاك ، أو كانت تدعى بالاسمين ، أو أحدهما اسم والآخر صفة ، وسواء نسبت تارة إلى أبيها وتارة إلى جدها كما قال البعض محاولة منه للجمع بين الروايات([15]) إلا أن الأصل هو الحكم([16]).
والقرآن يركز على العبرة والعظة من القصة دون الاهتمام بالاسماء والأشخاص، ويكفي أن نعرف خلاصة القصة وهي أن صحابياً –وقد علم بلا خلف- ظاهر زوجته ، ثم صار منه ما صار كما بينت الروايات.
قال ابن عباس: فأول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت([17]).
كان ما سبق هو الصحيح في سبب النزول.
أما حديث سلمة بن صخر([18]) أنه" قال: ثم كنت امرءاً أصيب من النساء مالا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتابع بي حتى أصبح؛ فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان ، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء ؛ فلم ألبث أن نزوت عليها .
فلما أصبحت خرجت إلى قومي ، فأخبرتهم الخبر رجاء أن يمشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا : لا والله ، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته.
فقال: أنت بذاك يا سلمة ، قلت: أنا بذاك يا رسول الله ، مرتين ، وأنا صابر لأمر الله ؛ فاحكم في ما أراك الله.
قال: حرر رقبة، قلت: والذي بعثك بالحق ، ما أملك رقبة غيرها ، وضربت صفحة رقبتي.
قال: فصم شهرين متتابعين، قلت: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام، قال: فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا.
قلت: والذي بعثك بالحق ، لقد بتنا وحشين مالنا طعام.
قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك ؛ فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها .
فرجعت إلى قومي ، فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي ، وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم"([19]).
فليس في هذا الحديث أنه سبب النزول ، بل فيه إفتاؤه بالكفارة التي كانت قد نزلت آياتها قبل ذلك([20]).
الفرع الثالث: حكمـه :-
يشتمل الظهار على حكمين:-
1. لا يترتب عليه طلاق كما كان في الجاهلية ، فعن ابن عباس أنه قال: كان ظهار الجاهلية طلاقا([21])، قال ابن كثير([22]):" كان الظهار في الجاهلية طلاقا ، فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم"([23]).
2. إثم المظاهر، إذ قد تظافرت نصوص الفقهاء على حرمة مظاهرة الرجل زوجته مستدلين بقوله تعالى:]وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً[(المجادلة: من الآية2) ([24]).
قال ابن القيم([25]) :"إن الظهار حرام لا يجوز الإقدام عليه لأنه كما أخبر الله عنه منكر من القول وزور" ([26]) ، وعده بعض الفقهاء من الكبائر([27]) ووجهوا عدهم هذا بأن الله سبحانه سماه (زوراً) والزور كبيرة([28]) ، ونظر في هذا بعضهم وقال:"إنهم لم يعدوا الكذب على الإطلاق كبيرة ، وإنما عدوا شهادة الزور كبيرة"([29]) وهذا منه نظر إلى الأصل اللغوي لكلمة (زور) فقط ، والحقيقة أن الزور مراتب ولاشك أن هذا من أعلاها ، كيف لا ؟ وقد سماه المولى منكراً وزوراً ، لا زوراً فقط ، كما أن فيه إقداماً "على إحالة حكم الله وتبديله، وهذا أخطر من كثير من الكبائر"([30]) .
أضف إلى ذلك أن سياق الآية ولحاقها يدل على ذلك فالتقريع بأن الزوجة ليست أماً ، وأن الأم هي التي ولدت([31]) ، ثم وصفه نفسه بالعفو والمغفرة ، هذا السياق -لا شك- أنه سياق تعنيف.
أضف إلى ذلك الكفارة العظمى الواجبة على المظاهر ، وما ورد عن بعض السلف من عده كبيرة ، قال في الزواجر : "ويوافق ذلك ما نقل عن ابن عباس من أن الظهار من الكبائر"([32]).
إن بعض الفقهاء جعل من الكبائر محرمات لا ترتقي إلى ما وصف الله به الظهار.
3. أما وجه كونه منكراً وزوراً ، فإن الرجل إذا قال : أنت علي كظهر أمي يتضمن هذا إخباره عنها بذلك ، وإنشاءه تحريمها ، فهو يتضمن إخباراً وإنشاءً ، فهو خبر زور وإنشاء منكر؛ فإن الزور هو الباطل خلاف الحق الثابت ، والمنكر خلاف المعروف ([33]).
الفرع الرابع : أثر الظهار:-
تأثير الظهار على المظاهر أنه يحرم عليه وطء زوجته قبل أن يكفر بلا خلاف قال ابن قدامة في المغني:" إن المظاهر يحرم عليه وطء امرأته قبل أن يكفر، وليس في ذلك اختلاف إذا كانت الكفارة عتقاً أو صوماً؛ لقول الله تعالى: ]فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا[ وقوله سبحانه ]فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا[ "([34])، "فإن وطء عصى ربه لمخالفته أمره ، وتستقر الكفارة في ذمته ، فلا تسقط بعد ذلك بموت ، ولا طلاق ولا غيره ، وتحريم زوجته عليه باق بحاله حتى يكفر"([35]).
ونقل البجيرمي في حواشيه على الإقناع عن علي الشبراملسي –وهو من كبار علماء متأخري الشافعية أنه "إن خاف العنت جاز له الوطء فيما يظهر، لكن بقدر ما يدفع عنه خوف العنت".([36])
واختلف الفقهاء في الاستمتاع بما دون الوطء على قولين :-
القول الأول : يحرم كل تلذذ دون الجماع من القبلة واللمس والمباشرة فيما دون الفرج ، وهو قول الزهري([37]) ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي، وهو أحد قولي الشافعي ([38]) ، ودللوا لقولهم هذا بما يلي:-
1. أن" ما حرم الوطء من القول حرم دواعيه كالطلاق والإحرام" ([39]).
2. " لاًّنَّهُ قَوْلٌ يُوَثَّرُ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ، فَحَرُمَ بِهِ مَا دُونَهُ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ؛ كَالطَّلاَقِ"([40]).
3. "أنه قد يدعو إلى الوطء ويفضي إليه"([41]).
4. "حملاً للمس في الآية على التقاء البشرتين ، وهو يشمل الجماع وغيره"([42]).
القول الثاني : لا يحرم قال أحمد:"أرجو أن لا يكون به بأس" وهو قول الثوري([43]) وإسحاق([44]) وأبي حنيفة ، وحكي عن مالك وهو القول الثاني للشافعي([45]) ،ونقله الرافعي([46]) عن أكثر الشافعية([47]).
وعللوا قولهم هذا بما يلي:-
1. بقاء الزوجية([48]).
2. اًّنَّهُ "وَطْءٌ لاَ يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمِهِ مَالٌ؛ فَلَمْ يُجَاوِزْهُ التَّحْرِيمُ؛ كَوَطْءِ الحَائِضِ"([49])، وحملوا المس في الآية على الجماع([50]).
المناقشة والترجيح:-
من خلال عرض الأدلة والتعليلات لكلا القولين يظهر رجحان القول بالتحريم لما يلي:-
1. لما ساقوه من أدلة.
2. قوله عز وجل: ]مِنْ قَبْلِ أَنْ يتماسّا[ أخف ما يقع عليه اسم المس هو اللمس باليد ، إذ هو حقيقة لهما جميعاً الجماع واللمس باليد ؛ لوجود معنى المسّ باليد فيهما.
3. أن هذه الحرمة إنما حصلت بتشبيه امرأته بأمه ، فكانت قبل انتهائها بالتكفير وحرمة الأم سواء ، وتلك الحرمة تمنع من الاستمتاع بالأم فكذا الزوجة المظاهر منها.
4. أن الظهار كان طلاق القوم في الجاهلية فنقله الشرع من تحريم المحل إلى تحريم الفعل ، فكانت حرمة الفعل في المظاهرَ منها مع بقاء النكاح كحرمة الفعل في المطلقة بعد زوال النكاح ، وتلك الحرمة تعم البدن كله كذا هذه([51]).
5. لا تنافي بين الزوجية وحرمة المس بشهوة ، إذ إن هذا أمر شرعي وللشارع أن يحرم ما يشاء .
وعليه يجب على المظاهر منها أن تمنعه من نفسها، بل قال الفقهاء:" إن خشيت منه رفعته إلى الإمام ويؤدبه"([52]).
الفرع الخامس :انتهاء حكم الظهار :-
ينتهي الظهار بأحد أمور ثلاثة هي:-
1. مضي المدة إذا كان ظهاره مؤقتاً ، قال في المغني:"ويصح الظهار مؤقتا مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي شهراً ، أو حتى ينسلخ شهر رمضان فإذا مضى الوقت زال الظهار وحلت المرأة بلا كفارة"([53]).
2. بالموت ، أي إذا مات أحد الزوجين قبل أن يطأ الزوج زوجته ؛ لبطلان محل حكم الظهار ، ولا كفارة في هذه الحالة([54]).
3. الكفارة، والتي سأفرد لها فرعاً مستقلاً.
الفرع السادس: كفارة الظهار:-
وتتعلق بهذا الفرع مسائل وهي:-
المسألة الأولى: متى تجب الكفارة : اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة هل بمجرد قول الظهار فقط ، أو به وبالعود ، قولان:-
الأول: بمجرد قول الظهار فقط ، ممن قال بهذا طاوس ومجاهد والشعبـي والزهري وقتادة، وعللوا قولهم بما يلي:-
1. أن الظهار سبب للكفارة، وقد وجد.
2. أن الكفارة وجبت لقول المنكر والزور وهذا يحصل بمجرد الظهار([55]).
الثاني: أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار، فلو مات أحدهما أو فارقها قبل العود فلا كفارة عليه، وهذا قول عطاء والنخعي والأوزاعي والحسن والثوري ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي([56]).
استدل أصحاب هذا القول بما يلي:-
1. قول الله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِنْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ[ (المجادلة: 3) فالله عز وجل أوجب الكفارة بأمرين: ظهار وعود فهي إذن لا تثبت بأحدهما.
2. أن الكفارة في الظهار كفارة يمين ، فلا يحنث بغير الحنث كسائر الأيمان، والحنث فيها هو العود ، وذلك فعل ما حلف على تركه وهو العود ، وترك طلاقها ليس بحنث فيها ، ولا فعل لما حلف على تركه ، فلا تجب به الكفارة([57]).
الترجيح:-
الذي يظهر رجحانه هو قول الجمهور للآية ، وكل تعليل يخالف ظاهر الآيات غير مقبول .
إذا ثبت هذا ، فإنه لا كفارة على المظاهر إذا مات أحدهما قبل وطئها ، وكذلك إن فارقها سواء كان ذلك متراخياً عن يمينه أم عقيبه ، وأيهما مات ورثه صاحبه في قول الجمهور، وخالف قتادة ، فقال: إن ماتت لم يرثها حتى يكفر.
وللجمهور أن من ورثها إذا كفر ورثها وإن لم يكفر ، كالمولي منها([58]).
المسألة الثانية : المقصود بالعود :-
اختلف الفققاء في معنى العود على أقوال :-
1. هو العزم المؤكد ، وهذا مذهب الأحناف ، قال في البدائع :"العود هو العزم على وطئها عزماً مؤكداً ، حتى لو عزم ثم بدا له في أن لا يطأها لا كفارة عليه ؛ لعدم العزم المؤكد"([59]) ، فكان معنى قوله تعالى:]ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا[ ثم يرجعون عما قالوا: وذلك بالعزم على الوطء.
ووجهوا قولهم هذا بأن "ما قاله المظاهر هو تحريم الوطء ، فكان العود لنقضه وفسخه استباحةَ الوطء"([60]).
2. " أن يمسكها في النكاح زمناً يمكنه مفارقتها فيه"([61]) ولم يفارقها([62])، وهذا مذهب الشافعية ، قال في المنهاج :"هو أن يمسكها بعد ظهاره زمن إمكان فرقة"([63]).
وعللوا قولهم بأن تشبيه الزوجة بالأم "يقتضي أن لا يمسكها زوجة ، فإذا أمسكها زوجة فقد عاد فيما قال ، لأن العود للقول مخالفته" ([64]).
3. هو الوطء ، حكي هذا عن الحسن والزهري ، وهو قول للشافعي([65]) وهو-أيضاً- مذهب الحنابلة ، قال في المغني :" العود هو الوطء فمتى وطء لزمته الكفارة ، ولا تجب قبل ذلك إلا أنها شرط لحل الوطء ، فيؤمر بها من أراده ليستحله بها ، كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حل المرأة"([66]).
وقالوا :"إن العود فعله ضد قوله ومنه حديث "العائد في هبته"([67]) هو الراجع في الموهوب ، والعائد في عدته التارك للوفاء بما وعد.
والعائد فيما نهي عنه فاعل المنهي عنه ، قال الله تعالى: ]ثُمَّ يَعُودُون لِما نهُوا عَنْهُ[ فالمظاهر محرم للوطء على نفسه ومانع لها منه"([68]).
4. أن يكرر المظاهر قول الظهار الذي قاله أولاً ، وهذا مذهب الظاهرية ووجه قولهم التمسك بظاهر لفظة العود ، ذلك لأن العود في القول هو عبارة عن تكراره كما قال الله تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النّجوى ثم يعودونَ لما نُهُوا عَنْهُ[ فكان معنى قوله ثم يعودون لما قالوا ، أي يرجعون إلى القول الأول فيكررونه ، كما أنه لا يعلم التكرار في اللغة إلا هذا([69]).
5. العزم على الوطء ، وهذا هو القول المعتمد في مذهب المالكية من أقوال ستة عندهم.
قال ابن رشد: "وأصح الأقوال الستة وأجراها على القياس وأتبعها لظاهر القرآن قول مالك- و الذي عليه جماعة أصحابنا-: إن العودة هي: إرادة الوطء مع استدامة العصمة، فمتى انفرد أحدهما دون الآخر لم تجب الكفارة"([70]). بمعنى أنها تجب بالعزم وتتقرر بالوطء([71]).
و"المعوَّل عليه عندهم في هذه المسألة هو الطريق الذي يُعَرِّفُه الفقهاء بطريق السبر والتقسيم.
وذلك أن معنى العود لا يخلو أن يكون تكرار اللفظ على ما يراه داود، أو الوطء نفسه، أو الإمساك نفسه، أو إرادة الوطء .
ولا يكون تكرار اللفظ ، لأن ذلك تأكيد، والتأكيد لا يوجب الكفارة.
ولا يكون إرادة الإمساك للوطء، فإن الإمساك موجود بعد.
فقد بقي أن يكون إرادة الوطء، وإن كان إرادة الإمساك للوطء فقد أراد الوطء، فثبت أن العود هو الوطء"([72]).
سبب الخلاف:-
قال ابن رشد مبيناً سبب الخلاف : "وسبب الخلاف بالجملة إنما هو مخالفة الظاهر للمفهوم، فمن اعتمد المفهوم جعل العود إرادة الوطء أو الإمساك، وتأوَّل معنى اللام في قوله تعالى: ] ثم يعودون لما قالوا [ بمعنى الفاء.
وأما من اعتمد الظاهر فإنه جعل العودة تكرير اللفظ ، وأن العودة الثانية إنما هي ثانية للأولى التي كانت منهم في الجاهلية.
ومن تأول أحد هذين، فالأشبه له أن يعتقد أن بنفس الظهار تجب الكفارة كما اعتقد ذلك مجاهد ، إلا أن يُقَدِّرَ في الآية محذوفاً ، وهو إرادة الإمساك.
فهنا إذن ثلاثة مذاهب: إما أن تكون العودة هي تكرار اللفظ، وإما أن تكون إرادة الإمساك، وإما أن تكون العودة التي هي في الإسلام، وهذان ينقسمان قسمين: أعني الأول والثالث: أحدهما: أن يقدر في الآية محذوفاً، وهو إرادة الإمساك فيشترط هذه الإرادة في وجوب الكفارة، وإما ألا يقدر فيها محذوفاً فتجب الكفارة بنفس الظهار"([73]).
المناقشة والترجيح :-
الحقيقة أن مسألة العود هذه مسألة صعبة المرام، "ذلك أن كلام المختلفين في العود لهم مآخذ من هذه الآية"([74])، ولكن سأناقش الأقوال وأرجح أحدها بما ظهر لي والله أعلم:-
1. أما قول الشافعية بأن العود الإمساك فمناقش بما يلي:-
أ- أن إمساك الزوجة لا يعرف عوداً في اللغة.
ب- الظهار لا يرفع النكاح حتى يكون العود لما قاله استبقاءً للنكاح .
ج- قال تعالى: ]ثمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا[ وثم للتراخي فمَنْ جَعَل العَوْد عبارة عن استبقاء النكاح وإمساك المرأة عليه فقد جعله عائداً عقيب القول بلا تراخي، وهذا خلاف النص([75]).
2. أما قول الظاهرية بأن العود هو تكرير اللفظ فمناقش بما يلي:-
أ- أن القول لا يحتمل التكرار ذلك، لأن التكرار هو إعادةُ عين الأوّل، ولا يتصور ذلك في الأعراض لكونها مستحيلة البقاء ؛ فلا يتصور إعادتها.
ب-أن النبـي صلى الله عليه وآله وسلم لما أمر أويساً بالكفارة لم يسأله: هل كرّر الظهار أم لا ، ولو كان ذلك شرطاً لسأله ، إذ الموضع موضع الإشكال.
ت- الظهار الذي كان متعارفاً بين أهل الجاهلية لم يكن فيه تكرار القول([76]).
3- أما قول الحنابلة بأن العود هو الوطء فمناقش بما يلي :-
أ- أن العود في الآية مقدم على الكفارة والوطء متأخر عنها، قال تعالى:]وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [(المجادلة:3) فكيف يكون العود هو الوطء ؟ وجواب ابن قدامة بأن" المراد بقوله: ]ثُمَّ يَعُودُونَ[ أي يريدون العود كقول الله تعالى: ]إذَا قُمْتُم إلَى الصَّلاَةِ[ أي أردتم ذلك"([77]) غير مقنع تماماً ؛ لأن العود في الآية الكريمة راجع إلى ما قاله المظاهر لقوله تعالى :]ثم يعودون لما قالوا[ والذي قالوه هو ما دل على الظهار.
ولكن يمكن توجيه جواب ابن قدامة بأن يقال: المراد من (العود) عود المظاهر لما منعه منه ظهاره وهو الوطء ، فكان معنى عود المظاهر إرادته ما منعه منه الظهار وهو الوطء ، فيكون المعنى الأخير من (العود) هو إرادة المظاهر الوطء([78]).
ومن خلال المناقشات السابقة يظهر رجحان القول بأن العود هو إرادة الوطء لما يلي:-
أ- دلالة سياق الآية ]وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[.
ب-يفهم من حديث أوس أن أوساً أراد العود إلى ما كان له قبل أن يظاهر والذي كان له قبل الظهار حل وطء زوجته ، ومعنى ذلك أنه أراد وطأها ، فكان هذا هو العود منه ، فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالكفارة قبل أن يطأ فعلاً([79]).
المسألة الثانية : كفارة الظهار :-
أولاً : ماهية الكفارة :-
قد نص القرآن على كفارة الظهار في قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ() فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة:3،4) .
دلت الآية على أن الكفارة أحد ثلاثة أشياء :-
الأولى : تحرير رقبة([80]).
الثانية: صيام شهرين متتابعين ، وقد "أجمع أهل العلم على وجوب التتابع في الصيام في كفارة الظهار، وأجمعوا على أن من صام بعض الشهر ثم قطعه لغير عذر-كمرض وحيض وجنون([81])- وأفطر أن عليه استئناف الشهرين وإنما كان كذلك لورود لفظ الكتاب والسنة به.
ومعنى التتابع الموالاة بين صيام أيامهما، فلا يفطر فيها، ولا يصوم غير الكفارة"([82]).ويفوت التتابع بفوات يوم بلا عذر ولو كان اليوم الأخير، أما إذا كان معذوراً كجنون فلا يضر لأنه ينافي الصوم بخلاف المرض المسوغ للفطر والسفر فليس بعذر؛ إذ إنه لا ينافي الصوم، وفي حالة بطلانه ينقلب الماضي نفلاً.([83])
ويجب تبييت النية كما في صوم رمضان بمعنى أن ينوي من أول ليلة الصيام كفارة للظهار، واشترط الشافعية أن تكون النية كل ليلة لكل يوم مدة شهرين، ولا يشترط نية التتابع اكتفاءً بالتتابع الفعلي([84]).
ولا يشترط أن يبدأ من أول الشهر كي يتم شهرين تماماً بل مهما بدأ من أي يوم من أيام الشهر فيكمله إلى آخره، ويدخل الشهر التالي ويكمله إلى آخره، ثم يكمل من الشهر الثالث ما بقي عليه تمام ثلاثين يوما. ([85])
الثالثة : إطعام ستين مسكيناً ، وفيه نقاط :-
النقطة الأولى :أنه قد " أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام أن فرضه إطعام ستين مسكيناً على ما أمر الله تعالى في كتابه وجاء في سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، سواء عجز عن الصيام لكبر ، أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه ، أو الزيادة فيه ، أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع ، فإن أوس بن الصامت لما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصيام قالت امرأته: "يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً".
ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال: "وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام ؟ قال: فأطعم" فنقله إلى الإطعام لما أخبر أنه به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام ، وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما.
وعدم الاستطاعة لها صور وهي:-
1- الهرم.
2- مرض يدوم شهرين ظناً إما للعادة أو بقول طبيب.
3- شدة الغلمة أي شهوة الوطء، وشدة الحاجة إليه.
4- خوف زيادة مرض. ([86])فيجوز أن ينتقل إلى الإطعام إذا عجز عن الصيام للمرض ، وإن كان مرجو الزوال ؛ لدخوله في قوله سبحانه وتعالى: ]فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِـعْ فَإطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً[ولأنه لا يعلم أن له نهاية فأشبه الشبق.
ولا يجوز أن ينتقل لأجل السفر لأن السفر لا يعجزه عن الصيام، وله نهاية ينتهي إليها وهو من أفعاله الاختيارية"([87]).
النقطة الثانية : وهي الخلاف بين الفقهاء في :هل يجب إطعام ستين مسكيناً أم يكفي إطعام مسكين ستين يوماً ، قولان :-
1. قال الحنفية يكفي إطعام مسكين ستين يوماً ، ففي المختار:"ولو أطعم مسكيناً ستين يوماً أجزأه" ([88])وعُلل قوله بأن "المعتبر دفع حاجة المسكين ، وهي تتجدد بتجدد الأيام"([89]).
2. قال الجمهور من مالكية وشافعية وحنبلية ([90]) بوجوب إطعام ستين مسكيناً ، ودللوا على قولهم بما يلي :-
أ- قول الله تعالى: ]فإطْعَامُ سِتَّينَ مِسْكِيناً[ وهذا لم يطعم إلا واحداً ، فلم يمتثل الأمر.
ب- أنه لم يطعم ستين مسكيناً، فلم يجزئه ، وهذا كما لو دفعها إليه في يوم واحد.
ج- أنه لو جاز الدفع إليه في أيام لجاز في يوم واحد كالزكاة وصدقة الفطر، يحقق هذا أن الله أمر بعدد المساكين لا بعدد الأيام، وقائل هذا يعتبر عدد الأيام دون عدد المساكين ، والمعنى في اليوم الأول أنه لم يستوف حقه من هذه الكفارة وفي اليوم الثاني قد استوفى حقه منها، وأخذ منها قوت يوم فلم يجز أن يدفع إليه في اليوم الثاني ، كما لو أوصى إنسان بشيء لستين مسكيناً([91]).
الترجيح :-
مما ذكره الجمهور يظهر رجحان قولهم ، وضعف مقابله، والله أعلم.
ثانياً : ترتيب الكفارة :-
هذه الكفارات الثلاث تجب علىالترتيب لا على التخيير ، فلا ينتقل المكفر إلى الثانية إلا بعد عجزه عن التي قبلها، وهذا مما لا خلاف فيه بين الفقهاء([92]).
ثالثاً : الحكمة من الكفارة :-
"والحكمة في تلك الكفارة هو منع العبث بالعلاقة الزوجية ومنع ظلم المرأة ، فإن الذين يصنعون ذلك يقصدون به الكيد لها"([93]) ، كما أنه تلاعب بالألفاظ في غير ما أحله الشرع ، وفيه نوع استهتار بالعلاقة الزوجية التي أعلى من شأنها الإسلام وحافظ عليه أشد المحافظة ، والتي تصب هذه الآية في هذا السياق ، ولهذا كانت الكفارة شديدة.
رابعاً: العجز عن الكفارة:-
في حالة العجز عن الكفارة في جميع الخصال فإنها تبقى في ذمته إلى أن يقدر على واحدة منها، فلا يطأ المظاهر حتى يكفر.
ذلك لأن كفارة الظهار حق مالي لله سبحانه، وحقوق الله المالية إذا عجز عنها وقت وجوبها لا تخلوا من حالين:-
1- إن كانت لا بسبب من العبد، وهذا مثل زكاة الفطر والتي ليس للعبد في إيجابها عليه أية صلة، وإنما وجبت ابتداءً من الله عز وجل ففي هذه الحالة لم تستقر في ذمته.
2- إن كانت بسبب منه ككفارة الظهار، والتي تسبب المظاهر في إيجابها على نفسه، فإنها في هذه الحالة تستقر في ذمته. ([94])
المطلب الثاني : النهي عن أخذ شيء من أموال الزوجات
لم يكن -قبل الإسلام- يعترف للمرأة بأن لها الحق والتملك إلا في حدود ضيقة، وكانت في أحيان كثيرة تعتبر مالاً يستحقه الورث، ولم تكن تستطيع المرأة التصرف بمالها مطلقاً إلا تحت وصاية آخرين.
وجاء الإسلام فأعطى المرأة الحق في التملك والتمليك والتصرف بمالها إذا كانت بالغة راشدة، والآيات والأحاديث المتعلقة بقضية مال المرأة كلها تمضي في هذا السياق.
الفرع الأول : الآيات وسبب النزول :
والآية المتعلقة بهذا الموضوع هي قوله تعالى : ] وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[(البقرة:229)
أما سبب نزول هذه الآية فقد روى الطبري في تفسيره "عن ابن جريج([95]) قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس([96]) وفي حبيبة، وقيل:بل هي جميلة بنت أبي بن سلول([97]).
قال: وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال رسول الله: تردين عليه حديقته.
فقالت: نعم ، فدعاه رسول الله فذكر ذلك له ، فقال : ويطيب لي ذلك؟
قال: نعم ، قال ثابت: قد فعلت ، فنزلت ]ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها["([98]).
وجاء النهي أيضاً في قوله تعالى: ]وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً()وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً[ (النساء:20،21) وقال سبحانه:]وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة[(النساء: من الآية4)
الفرع الثاني : معنى الآيات :-
والآية الأولى خطاب للأزواج ، فقد نهوا أن يأخذوا من أزواجهم شيئا على وجه المضارة، وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بأن ينفرد الرجل بالضرر، وخص بالذكر ما آتى الأزواج نساءهم ؛ لأن العرف بين الناس أن يطلب الرجل عند الشقاق والفساد ما خرج من يده لها صداقا وجهازا ؛ فلذلك خص بالذكر([99]).
وأكد التحريم بالوعيد لمن تعدى الحد ، والمعنى: أن يظن كل واحد منهما بنفسه ألا يقيما حق النكاح لصاحبه حسب ما يجب عليه فيه ، لكراهة يعتقدها ، فلا حرج على المرأة أن تفتدى ، ولا حرج على الزوج أن يأخذ ، والخطاب للزوجين والضمير في أن يخافا عائد لهما([100]).
واختلفوا في معنى الخوف على أقوال :
1. هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها ، فإذا ظهر ذلك منها له حل له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها ، روي هذا عن ابن عباس وغيره ، قال ابن عباس: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها ، فتدعوك إلى أن تفتدي منك فلا جناح عليك فيما افتدت به"([101]) .
وقال عروة : " لا يحل الفداء حتى يكون الفساد من قبلها"([102]) .
2. لا يحل له حتى تقول: لا أبر لك قسماً، ولا أغتسل لك من جنابة ، فعن الضحاك في قوله ]ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا[ قال : "الصداق ، إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، وحدود الله أن تكون المرأة ناشزة ، فإن الله أمر الزوج أن يعظها بكتاب الله ... فإن أبت إلا جماحاً فقد حل له منها الفدية"([103]).
3. أن الخوف من ذلك أن لا تبر له قسماً، ولا تطيع له أمراً ، وتقول: لا أغتسل لك من جنابة ، ولا أطيع لك أمراً ، فحينئذ يحل له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إياها ، قال الحسن: "إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابة ولا أبر لك قسماً ، ولا أطيع لك أمراً فحينئذ حل الخلع" ([104]) ونحوه جاء عن الشعبي([105])
4. أن الخوف من ذلك أن تبتذله بلسانها قولاً أنها له كارهة ، فعن عطاء بن أبي رباح قال:" يحل الخلع أن تقول المرأة لزوجها: إني لأكرهك ، وما أحبك ، ولقد خشيت أن أنام في جنبك ، ولا أؤدي حقك ، وتطيب نفسك بالخلع"([106]).
5. وقال آخرون: بل الذي يبيح له أخذ الفدية أن يكون خوف أن لا يقيما حدود الله منهما جميعاً ، لكراهة كل واحد منهما الآخر.
قال القاسم بن محمد:] إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله[ فيما افترض الله عليهما في العشرة والصحبة([107]) ، قال الشافعي:"فقيل-والله أعلم-: أن تكون المرأة تكره الرجل حتى تخاف أن لا تقيم حدود الله بأداء ما يجب عليها له أو أكثره إليه ، ويكون مانع لها ما يجب عليه أو أكثره ، فإذا كان هذا حلت الفدية للزوج ، وإذا لم يقم أحدهما حدود الله فليسا معاً مقيمين حدود الله"([108]).
6. أن تمتنع المرأة من أداء الحق ، فتخاف على الزوج أن لا يؤدي الحق إذا منعته حقا فتحل الفدية([109]).
وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: لا يحل للرجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إياها حتى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما على نفسه في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه منهما جميعاً ، كما قال طاووس:" إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة"([110]).
قال الرازي في مفاتيح الغيب: "اعلم أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الشرط هو حصول الخوف للرجل والمرأة".
ولأن الله تعالى إنما أباح للزوج أخذ الفدية من امرأته عند خوف المسلمين عليهما أو هما على أنفسهما أن لا يقيما حدود الله ([111]) .
ربما يقال: إذا كان الأمر كذلك فالواجب أن يكون حراما على الرجل قبول الفدية منها إذا كان النشوز منها دونه ، حتى يكون منه من الكراهة لها مثل الذي يكون منها له .
ويجاب عن هذا بأن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن ، وذلك أن في نشوزها عليه داعية له إلى التقصير في واجبها ومجازاتها بسوء فعلها به ، وذلك هو المعنى الذي يوجب للمسلمين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله .
فأما إذا كان التفريط من كل واحد منهما في واجب حق صاحبه ، وسوء الصحبة والعشرة قد ظهر للمسلمين فليس هناك للخوف موضع ، إذ كان المخوف قد وجد ، وإنما يخاف وقوع الشيء قبل حدوثه ، فأما بعد حدوثه فلا وجه للخوف منه ، ولا الزيادة في مكروهه([112]).
ثم قريء ]إلا أن يخافا[ بضم أوله على البناء للمجهول، والمراد الولاة والحكام، ورده النحاس بأنه قول لا يساعده الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى ، ورده الطحاوي([113]) بأنه شاذ مخالف لما عليه الجم الغفير، ومن حيث النظر فإن الطلاق جائز دون الحاكم فكذلك الخلع([114]).
وقريب مما سبق جاء قوله سحانه:]وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً() وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً[(النساء:20،21)
فهنا "استفهام إنكار وتوبيخ أي أتأخذونه باهتين وآثمين"([115])، "والبهتان الكذب على الغير مواجهة مكابرة على وجه يحيره"([116])، قال في الكشاف:"أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو بريء منه فإنه يبهت عند ذلك أي يتحير"([117]) "قيل: كان الرجل منهم إذا أراد جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج الجديدة فنهوا عن ذلك"([118]).
وفي هذا الموضوع – أيضاً- قال تعالى:]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ[(النساء: من الآية19) فالنهي عن العضل هنا موجه للأزواج، ذلك أن الرجل كان يكره صحبة امرأته ولها عليه مهر، فيحبسها، ويضربها لتفتدي، هكذا نقل عن ابن عباس والسدي([119]).
أما قوله تعالى ]وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [(النساء: من الآية4) ففيهما نهي عن أخذ المهور، والخطاب هنا للأزواج لا للأولياء كما قال بعضهم والذي لم يرتضه البيضاوي وحكاه بصيغة التضعيف (قيل) ([120]) وعلل بعض أصحاب الحواشي هذا التضعيف بأنه "لا ذكر للأولياء هنا"([121]).
وقوله تعالى:]وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض[ فيه إنكار لاسترداد المهر([122])أي: كيف تستجيزون أخذه([123])، بعد تقرر المهر بالإفضاء([124]).
وفي معنى الإفضاء هنا قولان:-
الأول: أنه كناية عن الجماع، فإنه سبحانه وتعالى نزه كتاه عن كل ما يستبشع سماعاً فسماه سراً في آية وإفضاءً في آية أخرى ومساً في آية ثالثة قاله ابن عباس ومجاهد والسدي([125])، وهذا مذهب الإمام الشافعي([126]).
الثاني: الخلوة بها وإن لم يغشها، قاله الفراء([127])، وهو مذهب أبي حنيفة([128]) وأحمد([129]).
والمراد بأخذهن الميثاق الغليظ من أزواجهن "هو حق الصحبة والممازحة"([130])، بمعنى أنهن أخذن "منهم ما يقتضي الألفة والمودة المتفرعتين على إفضائهم إليهن، والعهد المذكور من حقوق هذا الإفضاء وتوابعه، فلما أخذن منهم الإفضاء والمصاحبة صرن كأنهن أخذن منهم ما يتبع ذلك الإفضاء ويستحق بسببه وهو ما ذكر من العهد الوثيق كأنه قيل: وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً بإفضاء بعضكم إلى بعض فوصفه بالغلظ لقوته وعظمه"([131]).
أو أن الميثاق هو "ما أوثق الله عليهم في شأنهن بقوله:]فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[(البقرة: من الآية229) ([132]).
المطلب الثالث: الميـل
الفرع الأول:تعريف الميل :-
الميل هو من الفعل مال ، يقال : مالَ إليه مَيْلاً ومَمالاً ومَمِيلاً وتَمْيَالاً ومَيَلاَناً ومَيْلولةً ، فهو مائِلٌ([133])، قال ابن منظور:" الـمَيْلُ: العُدول إِلـى الشيء والإِقبالُ علـيه، وكذلك الـمَيْلانَ ، ومالَ الشيءُ يَمِيلُ مَيْلاً ومَـمالاً ومَـمِيلاً وتَمْيالاً"([134]).
الفرع الثاني :النهي عن الميل :
لقد جاء النهي في القرآن في قوله تعالى :]وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً[ (النساء:129).
أما سبب نزولها فعن ابن أبي مليكة قال: نزلت هذه الآية ]ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم[ في عائشة ، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها، كما جاء في الحديث عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ، فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب "([135]).
ومعنى الآية "ولن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة فلا بد من التفاوت"([136]).
فالله عز وجل أخبر في هذه الآية "بنفي الاستطاعة في العدل بين النساء وذلك في ميل الطبع بالمحبة والجماع والحظ من القلب ، فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض ، ولهذا كان عليه السلام يقول: اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"([137]).
ثم نهى سبحانه عن الميل، فقال ]فلا تميلوا كل الميل[وقد اختلفت عبارات المفسرين في المقصود بالميل ولكنها كلها تصب في معنى واحد ن وسأسوق هنا بعضها :-
1. قال مجاهد: "لا تتعمدوا الإساءة بل الزموا التسوية في القسم والنفقة ، لأن هذا مما يستطاع"([138]).
2. قال القرطبي:"]فلا تميلوا كل الميل[ يقول: فلا تميلوا بأهوائكم إلى من لم تملكوا محبته منهن كل الميل حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهن عليكم من حق في القسم لهن والنفقة عليهن والعشرة بالمعروف"([139]).
3. قال هشام : "أظنه قال في الحب والجماع"([140]).
4. " هذا في العمل في مبيته عندها وفيما تصيب من خيره"([141]).
5. قال السدي:"يميل عليها فلا ينفق عليها، ولا يقسم لها يوماً"([142]).
ثم ذكر سبحانه ما ستؤول إليه الممال عنها فقال: ]فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة[ "أي لا هي مطلقة ، ولا ذات زوج ، كماقاله الحسن ، وهذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء لأنه لا على الأرض استقر ولا على ما علق عليه انحمل" ([143]).
وقال قتادة: كالمسجونة ، وكذا قرأ أبي (فتذروها كالمسجونة) ([144]).
هذا وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عقوبة المائل لإحدى زوجاته فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط"([145]).
"أي أحد جنبيه وطرفه مائل، أي مفلوج والحديث- مع الآية- دليل على أنه يجب على الزوج التسوية بين الزوجات ، ويحرم عليه الميل إلى إحداهن"([146]).
الفرع الثالث : أنواع الميل :-
مما سبق يتضح لنا أن الميل نوعان :
1. ميل غير مؤاخذ به الزوج وهو"ما لا يدخل في الاختيار ولا يكون من تعمد التقصير أو الإهمال"([147]) قال ابن زيد في قوله ]ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم[ : ما يكون من بدنه وقلبه فذلك شيء لا يستطيع يملكه"([148]).
قال الإمام الشافعي عند هذه الآية :" أن تعدلوا بما في القلوب،لأنكم لا تملكون ما في القلوب حتى يكون مستوياً، وهذا -إن شاء الله عز وجل- كما قالوا: قد تجاوز الله عز وجل لهذه الأمة عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تعمل ، وجعل المأثم إنما هو في قول أو فعل"([149]).
2. ميل مؤاخذ به وهو ما كان بضد الأول .
من هذا يعلم أن هناك أموراً لا يستطيع الإنسان ضبطها، لأنها خارج إرادته كالمشاعر والأحاسيس،وهذه هي بعض الميل،إذ إن المفهوم من قوله تعالى ]كل[ في ]كل الميل[جواز بعض الميل ، وهو مالا يطيق الزوج ضبطه والعدل فيه .
ولكن على الزوج أن يروض نفسه "على الإحسان لامرأته وتحمل ما لا يلائمه من خلقها ما استطاع، وحسن المعاشرة لها حتى يحصل الإلف بها والحنو عليها اختياراً بطول التكرر والتعود ما يقوم مقام الميل الطبعي"([150]).
ومن عظيم فضل الله أنه سبحانه ختم الآية بقوله ]فإن الله كان غفوراً رحيما [فقد بشر من يصلح في معاملة النساء، ويتقي ظلمهن وتفضيل بعضهن على بعض في المعاملات الاختيارية، كالقسم والنفقة بالمغفرة للأزواج ما لا ينضبط بالاختيار، كالحب ولوازمه الطبيعية من زيادة الإقبال وغير ذلك؛ لأن شأنه سبحانه المغفرة والرحمة لمستحقها([151]).
المطلب الرابع: البــغي
الفرع الأول: تعريف البغي :
يقال :بَغَيْتُهُ أبْغِيِهِ بُغاءً وبُغىً وبُغْيَةً، بضَمِّهِنَّ، وبِغْيَةً، بالكسر: طَلَبْتُه، كابْتَغَيْتُهُ وتَبَغَّيْتُهُ واسْتَبْغَيْتُهُ. والبَغِيَّةُ، كَرَضِيَّةٍ: ما ابْتُغِيَ، كالبِغْيَةِ، بالكسر والضم، والضالَّةُ المَبْغِيَّةُ: وأبْغاهُ الشيءَ: طَلَبَهُ له، كبَغَاهُ إيَّاهُ، كَرَماهُ، أو أَعَانَهُ على طَلَبِهِ. واسْتَبْغَى القَوْمَ فَبَغَوْهُ، وـ له: طَلَبُوا له. والباغِي: الطَّالِبُ([152]).
وبغى عليه بغياً:علا وظلم، وعدل عن الحق واستطال، وتجاوز الحق إلى الباطل([153]).
الفرع الثاني : النهي عن البغي على الزوجة :-
لقد نص القرآن الكريم على النهي عن بغي الأزواج على زوجاتهم، قال تعالى :] فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً[(النساء: من الآية34).
وقد اختلف المفسرون في تفسير البغي على أقوال متقاربة :-
1. إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها([154]).
قال القرطبي :" أي لا تجنوا عليهن بقول أو فعل، وهذا نهى عن ظلمهن"([155]).
قال البيضاوي: "التوبيخ والإيذاء والمعنى فأزيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له"([156]).
2. لا تكلفوهن الحب لكم فإنه ليس إليهن([157])، قال سفيان :"إذا فعلت ذلك لا يكلفها أن تحبه لأن قلبها ليس في يديها"([158]).
3. فلا تطلبوا طريقاً إلى أذاهن ومكروههن، ولا تلتمسوا سبيلاً إلى ما لا يحل لكم من أبدانهن وأموالهن بالعلل، وذلك أن يقول أحدكم لإحداهن-وهي له مطيعة-:إنك لست تحبيني، وأنت لي مبغضة؛ فيضربها على ذلك، أو يؤذيها فقال الله تعالى للرجال:]فإن أطعنكم[ أي:على بغضهن لكم؛ فلا تجنوا عليهن ولا تكلفوهن محبتكم، فإن ذلك ليس بأيديهن، فتضربوهن أو تؤذوهن عليه([159]).
وختم سبحانه الآية بقوله:]إن الله كان علياً كبيرا[ قال الطبري:"يقول:إن الله ذو علو على كل شيء؛ فلا تبغوا أيها الناس على أزواجكم إذا أطعنكم فيما ألزمهن الله لكم من حق سبيلا لعلو أيديكم على أيديهن، فإن الله أعلى منكم ومن كل شيء وأعلى منكم عليهن وأكبر منكم ومن كل شيء، وأنتم في يده وقبضته؛ فاتقوا الله أن تظلموهن وتبغوا عليهن سبيلا، وهن لكم مطيعات، فينتصر لهن منكم ربكم الذي هو أعلى منكم ومن كل شيء، وأكبر منكم ومن كل شيء"([160]).
إذن ففي الآية " تهديد للرجال إذا بغوا على النساء بغير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن"([161]) وفيها "إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب"([162]).
المطلب الخامس: عضل الزوجة
الفرع الأول: تعريف العضل:-
جاء في معجم مقاييس اللغة:"العن والضاد واللم أصل صحيح يدل على شدة والتواء والامرومن ذلك العَضَل، ومنه الداء العضال، والأمر المعضل، وهو الشديد الذي يعيي إصلاحه وتداركه، وعضلت المرأة عضلاً، وعضلتها تعضيلاً، إذا منعتها من التزوج ظلماً([163]).
الفرع الثاني: الآية وسبب النزول:-
قال تعالى:]وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ (البقرة:232)
وسبب نزولها أن معقل بن يسار رضي الله عنه قال:"كنت زوجت أختاً لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله، لا تعود إليها أبداً، قال: وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، فقلت الآن أفعل يارسول الله، فزوجتها إياه"([164]).
وروي عن مجاهد و عكرمة أنهما قالا في هذه الآية: "كان الرجل يطلق امرأته فيندم و تندم حتى يحب أن ترجع إليه و تحب هي ذلك فيأنف الولي، فقال الله عز وجل الآية"([165]) .
وأخرج عبد بن حميد من طريق عبيدة بن معتب نحو هذا و فيه فيقول أولياؤها و الله لا ترجعين أبدا إليه لقد استخف بحقنا بطلاقك فنزلت .
وهناك قول آخر أخرجه الطبري من طريق أسباط بن عمرو عن السدي عن قال: "نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له بنت عم فطلقها زوجها تطليقة فانقضت عدتها ثم رجع يريد خطبتها فأبى جابر و قال طلقت بنت عمنا و تريد أن تنكحها الثانية، وكانت المرأة تريد زوجها، فنزلت هذه الآية"([166]) قال ابن كثير: "والصحيح الأول"([167]).
الفرع الثالث: معنى الآية:-
العضل في اللغة يعني الحبس والمنع ظلماً يقال: "عضل المرأة عن الزوج حبسها، وعضل الرجل أيمه يعضلها ويعضلها عضلاً وعضلها منعها الزوج ظلماً"([168]).
قال الجصاص: "والعضل يعتوره معنيان: أحدهما المنع، والآخر الضيق يقال: عضل الفضاء بالجيش إذا ضاق بهم، والأمر المعضل هو الممتنع، وداء عضال ممتنع، وفي التضييق يقال: عضلت عليهم الأمراء إذا ضيقت، وعضلت
fatoom- مشرفة
- عدد المساهمات : 1247
نقاط : 8481
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 11/02/2012
خاص للزوار
تردد1:
(0/0)
أسألة الزوار:
(50/50)
ddddddkkkkkkk:
مواضيع مماثلة
» السؤال: أود ان أعرف الحكم : إذا كان الزوج يصلى صلاة السنة ، والزوجة تصلى صلاة الفرض فى نفس الغرفة ، لكن كل على حدة ؛ فهل يجب على الزوجة أن تقف خلف الزوج ، كما لو كانت فى الصف الثاني ؟ أم يجوز لها أن تقف خلفه بخطوة أو خطوتين ؟ أم يجوز لها أن تقف بجواره ، ل
» ما يحرم على الزوجة
» من أين يحرم أهل جدة ورابغ ؟
» أمثلة من الأعذار المبيحة لطلب الخلع من الزوج
» هل يجوز للمرأة أن تذهب مع صديقاتها إلى المطاعم والمنازل وأن تقوم بلعب البولنغ....إلخ بإذن الزوج لكن دون وجوده ؟
» ما يحرم على الزوجة
» من أين يحرم أهل جدة ورابغ ؟
» أمثلة من الأعذار المبيحة لطلب الخلع من الزوج
» هل يجوز للمرأة أن تذهب مع صديقاتها إلى المطاعم والمنازل وأن تقوم بلعب البولنغ....إلخ بإذن الزوج لكن دون وجوده ؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى