هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 18 إلى 25 صفحات}

اذهب الى الأسفل

المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 18 إلى 25 صفحات} Empty المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 18 إلى 25 صفحات}

مُساهمة من طرف المدير الثلاثاء مارس 20, 2012 6:57 pm

خَبِيرٌ﴾[المجادلة: 11] فيها فضيلة التأدب بالآداب الشرعية، وأنها رفعة عند الله، ولو ظنها الإنسان منقصة، فليس النقص غير الإخلال بآداب الله لعباده، ومن فوائد إيقاع الظاهر موقع المضمر في هذه الآية حيث قال: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ ولم يقل: يرفعكم؛ ليدل ذلك على فضيلة الإيمان والعلم عموماً، وأن بهما تحصل الرفعة في الدنيا والآخرة، ويدل على أن من ثمرات العلم والإيمان سرعة الانقياد لأمر الله، وأن هذه الآداب ونحوها إنما تنفع صاحبها، ويحصل له بها الثواب إذا كانت صادرة عن العلم والإيمان، وهو أن تكون خالصة لوجه الله لا لغير ذلك من المقاصد.

الظاهر أن قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾[الأعراف: 96] تفسير لقوله في الآية الأخرى: ﴿لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾[المائدة: 66] فالسماء منها مادة الأرزاق، والأرض محلها وموضعها.



ـ فصل ـ
قوله تعالى: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾[النساء: 108] ذم لهم من وجهين: من جهة فعل الذنب، والإصرار على الذنب، وثم وجه ثالث مِن الذم وهو: أن الله ذمهم على المكر؛ لأن التبييت هو التدبير ليلاً على وجه الخديعة للحق وأهله: من كلامهم وقولهم بما يبغضه الله ولا يرضاه من الأقوال المحرمة، ومن الإصرار على ذلك؛ فقولهم إثم وظلم، وبياتهم على ذلك وإصرارهم عليه إثم آخر، وهذا أبلغ من أن لو قال: "وهو معهم إذ يقولون ما لا يرضى من القول" فعلى العبد التوبة إلى الله من فعل الذنوب والإصرار عليها، فكما أن فعلها معصية؛ فالاستمرار عليها ونية فعلها متى سنحت له الفرصة معصيةٌ أخرى، وعلى العبد أن يُبيّت ما يرضي اللهَ تعالى من الأقوال والأفعال، فيفعل ما يقدر عليه من الخير وينوي فعل الخير الذي لم يحضر وقته، والذي لا يقدر عليه، وبذلك يتحقق العبد أن يكون ممن اتبع رضوان الله، فيدخل في هذه المعاملة المذكورة في قوله: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ﴾[آل عمران: 162]، وتحصل له الهداية في أموره كلها، ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[المائدة: 16].

قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾[النساء: 130] في هذه الآية فائدة عظيمة، وهي أن العبد عليه أن يعتمد على الله، ويرجو فضله وإحسانه، ويعمل ما أبيح له من الأسباب؛ وأنه إذا انغلق عليه باب وسبب من الأسباب التي قدرها الله لِرِزقه؛ فلا يتشوش لذلك، ولا ييأس من فضل الله، ويعلم أن جميع الأسباب مستندة إلى مسببها، فيرجو الذي أغلق عليه هذا الباب أن يفتح له باباً من أبواب الرزق أوسع وأحسن من الباب الأول.

وهذه العبودية من أفضل عبوديات القلب، وبها يحصل التوكل والكفاية والراحة والطمأنينة، فهذه المرأة المتصلة بزوج ينفق عليها ويقوم بمؤنتها، فإذا حصل لها فرقة منه، وتوهمت انقطاع النفقة والكفاية؛ فلتلجأ إلى فضل الله ووعده بأنه سيغنيها وقال: ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ ولم يقل: "يغنها" مع أن السياق يدل عليه؛ لئلا يتوهم اختصاصها بهذا الوعد، وإنما الوعد لها وله، فالله أوسع وأكثر، ولكن هباته وعطاياه تبع لحكمته، ومن الحكمة أن من انقطع رجاؤه من المخلوقين، ومن كل سبب، واتصل أمله بربه، ووثق بوعده، ورجا بِرَّه؛ فإن الله يغنيه ويقنيه، والله الموفق لمن صلح باطنه، وحسنت نيته فيما عند ربه.



ـ فصل ـ
ينبغي لمن طمحت نفسه لما لا قدرة له عليه، أو غير ممكن في حقه، وحزنَتْ لعدم حصوله، أن يسليها بما أنعم الله به عليه، مما حصل له من الخير الإلهي الذي لم يحصل لغيره؛ ولهذا لما طمحت نفس موسى عليه السلام إلى رؤية الله تعالى - وطلب ذلك من الله، فأعلمه الله أن ذلك غير حاصل له في الدنيا وغير ممكن - سلاه بما آتاه فقال: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾[الأعراف: 144]، وكذلك نبّه اللهُ رسولَه وعبادَه المؤمنين على هذا المعنى بقوله: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾[النساء: 90]؛ فإن النظر إلى هذه الحالة - وهو كف أيديهم عن المؤمنين ومسالمتهم - بالنسبة إلى الحالة الأخرى - وهي أن لو شاء الله لسلطهم على المؤمنين فقاتلوهم - مما يهون بها الأمر، فهم وإن لم يكونوا معاونين للمؤمنين؛ فكذلك لم يكونوا معاونين عليهم أعداءهم، ومما يشبه هذا: أن العبد مأمور أن ينظر إلى من دونه في المال والجاه والعافية ونحوها، لا إلى من فوقه؛ فإنه أجدرُ أن لا يزدريَ نعمة الله عليه، وكذلك إذا ابتلي ببلية فليحمد الله أن لم تكن أعظم من ذلك، وليشكر الله أن كانت في بدنه أو ماله لا في دينه، وصاحب هذه الحال مطمئن القلب، مستريح النفس، صبور شكور.

الإتيان بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾[النور: 27] أحسن من قوله: "تستأذنوا" لأن (تستأنسوا) تتضمن الاستئذان وزيادة التعليل، وأن الحكمة التي شرع الله الاستئذان لأجلها هي: حصول الاستئناس مِن عدم الوحشة، ويدل ذلك أيضاً على أنه يحصل الإذن والاستئذان بكل ما يدل عليه عادة وعرفاً، لكن قد يقال: إن الاستئذان أيضاً يدخل فيه الاستئذان اللفظي والعرفي، والله أعلم.

الإتيان باللفظ العام في قوله: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا...﴾الآية[النور: 22] مع أنها نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حين تألّى أن لا ينفق على مسطح حين شايع أهل الإفك، مما يحقق أن القرآن العظيم نزل هداية عامة، وأنه يتناول: من لم ينزل عليهم من الأمة، ومن نزلت وهم موجودون، ومن كان له سبب بنزولها وغيره، وهكذا يقال في جميع الآيات التي نزلت في قضايا جزئية خاصة ولفظها يتناول القضايا الكلية العامة؛ وبهذا ونحوه تعرف أن معرفة أسباب نزول الآيات وإن كان نافعاً فغيره أنفع وأهم منه؛ فتَدبُّر الألفاظ العامة والخاصة، والتأمل في سياق الكلام، والاهتمام بمعرفة مراد الله بكلامه، وتنزيله على الأمور؛ كلها هو الأمر الأهم، وهو المقصود، وهو الذي تعبد الله العباد به، وهو الذي يحصل به العلم والإيمان، ومما يدل على أن معرفة أسباب النزول ليس كمعرفة معنى ما أراد الله بكلامه، أنه لا يتوقف معرفة معاني القرآن على معرفتها؛ ولذلك تجد المفسرين يذكرون في أسباب النزول أقوالاً كثيرة مختلفة، لا يهتدي الإنسان إلى معرفة الصحيح منها في الغالب، وكذلك المعتنين بها تضعف معرفتهم بتفسير القرآن كما ينبغي، ولست أقول: إن الاعتناء بأسباب النزول ليس بنافع! بل هو نافع، وقد يتوقف فَهْمُ كمال المعنى عليه! وإنما قولي: إن الاعتناء بتدبر الألفاظ والمقاصد هو الأهم، ومع ذلك فإذا عرض للإنسان سبب نزول بعض الآيات ببعض الواقعات فلا يذهب وهمه إليه وحده، بل يكون مرجعه إلى هذا الأصل الكبير، فيعرف أن القضية الجزئية التي نزلت الآية فيها، فيها بعضُ المعنى وفرْدٌ من أفراده؛ فالمعنى قاعدة كلية يدخل فيها أفراد كثيرة، ومن جملة تلك الأفراد تلك الصورة، والله المستعان في جميع الأمور، المرجو لتسهيل كل صعب، والإعانة على كل شديد.

ما يجري على الأخيار يحصل لهم فيه النفع خصوصاً، ولغيرهم عموماً، وهذا من بركة الله لهم وبركته فيهم، ومِن نصحهم للخلق؛ ولهذا لما رأى سليمان عليه الصلاة والسلام عرشَ ملكة سبأ مستقراً عنده - قد أحضر في أسرع وقت - قال: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾[النمل: 40] ألا ترى كيف اعترف بفضل الله! وشكر الله على ذلك، وأقر لله تعالى بالحكمة، وأخبر عن كرم الله وسعة غناه، وكان في ضمن كلامه هذا الحض للعباد على هذه الأمور؛ ولهذا أتى باللفظ العام "ومن شكر، ومن كفر"، وإذا تأملت جميعَ القضايا التي تجري على الأنبياء وأتباعهم وورثتهم وجدتها بهذه الحالة ينتفعون بها، وينفع الله بها الخلق بسببهم، فنسأل الله تعالى أن يبارك لنا فيما أعطانا مِن نعم الدين والدنيا؛ فإن بركة الله لا نهاية لها، وجودَه لا حد له، والقليل إذا بارك الله فيه صار كثيراً، ولا قليل في نِعم ربنا! فله الحمد والشكر بجميع أنواعهما حمداً على ما له من أنواع الكمالات، وشكراً على ما أسدى إلى الخلق من الإفضالات والهبات، بالقلب واللسان والجوارح، كثيراً طيبا مباركاً فيه.

إبطال قول الخصم قد يكون بإبطال الدليل الذي استدل به، أو بإبطال دلالته على مطلوبه، وقد يكون بإبطال نفسِ المقالة التي ينصرها وإفسادِها، وقد يكون بإثبات نقيض ما قاله الخصم قولاً ودليلاً؛ لأن النقيض للشيء متى صح أحدُهما بطل الآخر، وقد اجتمعت هذه الأمور في قول يوسف عليه السلام - محتجاً على صحة التوحيد وإبطال الشرك -: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[يوسف: 39، 40] فأبطل الشرك، وصوّر قبحَه عقلاً ونقلاً، وأن ما يُدعى مِن دون الله آلهة متفرقة، كل فريق يزعم صحة قوله وإبطال الآخر! والحال أنه لا فرق بينهما، وأن المشرك فيه شركاء متشاكسون، وأن هذه المعبودات من دون الله ليس فيها شيء من خصائص الإلهية؛ فليس فيها كمالٌ يوجب أن تُعبد لأجله! ولا فِعال بحيث تَنفع وتَضر فتُخاف وتُرجى، إنما هي أسماء لا حقائق لها، ومع ذلك ما أنزل الله بها من سلطان على عبادتها، فليس في جميع الحجج الصحيحة ما يدل على صحة عبادتها، بل اتفقت الحجج والبراهين كلها على إبطالها وفسادها، وعلى إثبات العبادة الخالصة لله الواحد الذي انفرد بالوحدانية، والكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي ليس له شبيهٌ ولا نظيرٌ ولا مقارب، وهو القهار لكل شيء، فكل شيء تحت قهر الله، وناصيتُه بيد الله، فالواحد القهار هو الذي يستحق الحبَ والخضوعَ، والانكسارَ لعظمته، والذلَ لكبريائه.

قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾[الأحزاب: 4] هذه الآية جمعت كل علم صحيح! وذلك أن العلم: إما مسائل نافعة، وإما دلائل مصيبة؛ فأنفع المسائل المشتملة على الحق - وهو الصدق والعدل والقسط والاستقامة ظاهراً وباطناً - أهدى الدلائل وأرشدها ما هدى السبيل الموصل إلى المطالب العالية، والمراتب السامية، فالكتاب والسنة كفيلان بهذين الأمرين على أكمل الوجوه، وأتمها وأبينها، وما سوى ذلك فهو باطل وضلال؛ فماذا بعد الحق إلا الضلال، وما بعد الهداية إلى السبيل المستقيم إلا الهداية إلى سبيل الجحيم؟ ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾[الفرقان: 33].

إن قلت: إن الله أخبر في غير موضع أنه لا يهدي القوم الظالمين، ولا يهدي القوم الفاسقين، والقوم الكافرين، والمجرمين، ونحوهم، والواقع أنه هدى كثيراً من الظالمين والفاسقين، والقوم الكافرين والمجرمين، مع أن قوله صدق وحق، لا يخالفه الواقع أبداً؟! فالجواب: أن الذي أخبر أنه لا يهديهم هم الذين حقت عليهم الشقوة وكلمة العذاب، فإنها إذا حقت وتحققت، وثبتت ووجبت؛ فإن هذا لا يتغير ولا يتبدل، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾[غافر: 6]، ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[يونس: 33]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾[يونس: 96، 97]، وغير ذلك من الآيات الدالات على هذا المعنى، وهؤلاء هم الذين اقتضت حكمة الله تعالى أنه لا يهديهم؛ لكونهم لا يصلحون للهداية ولا تليق بهم، فلو علم فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون، وهم الذين مروا على أسباب الشقاء ورضوها واختاروها على الهدى، وأما مَن سبقت لهم من الله الحسنى فإن الله تعالى يهديهم ولو جرى منهم ما جرى؛ فإنه تعالى هدى كثيراً من أئمة الكفر المحاربين له ولرسوله وكتبه فصاروا من المهتدين، والله عليم حكيم؛ فالذين أخبر عنهم أنه لا يهديهم هم الذين حقت عليهم الشقوة، والذين هداهم هم الذين سبقت لهم منه الحسنى؛ فصار النفيُ واقعاً على شيءٍ، ووقوعُ الهداية واقعاً على شيءٍ آخر؛ فلم يحصل تناقض ولله الحمد.

سعي الإنسان في دفع أسباب التهمة السيئة عن نفسه والعار والفضيحة ليس بعار، بل ذلك من سيماء الأخيار، ولهذا لم يُجِب يوسفُ عليه الصلاة والسلام الداعيَ حين دعاه إلى الخروج من السجن والحضور عند الملك؛ حتى يتحقق الناسُ براءةَ ما قيل فيه ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾[يوسف: 50].

لما كان التوكل به حياة الأعمال والأقوال وجميع الأحوال، وبه كمالها؛ قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾[الفرقان: 58] فأمر بالتوكل والاعتماد على الحيِّ كاملِ الحياة، فإذا حقق العبد التوكلَ على الحي الذي لا يموت؛ أحيا الله له أمورَه كلها، وكفِلها وأتمها، وهذا من المناسبات الحسنة التي ينتفع العبد باستحضارها وثبوتها في قلبه، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا توكلاً يحيي به قلوبنا وأقوالنا وأفعالنا وديننا ودنيانا، ولا يكلنا إلى أنفسنا ولا إلى غيره طرفة عين ولا أقل من ذلك، إنه جواد كريم.

قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر: 9] اشتملت على فوائد عديدة:

الأولى، والثانية: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله تعالى عليٌّ على خلقه، وهذا مأخوذ من قوله: ﴿نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ فإنه نزل به جبريل من الله العزيز العليم؛ فكونه نازلاً من عند الله يدل على علو الله، وكونه أيضاً من عنده يدل على أنه كلام الله؛ فإن الكلام صفة للمتكلم ونعت من نعوته.
avatar
المدير
Admin
Admin

عدد المساهمات : 1934
نقاط : 16508
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 21/01/2011
العمر : 52

خاص للزوار
تردد1:
المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 18 إلى 25 صفحات} Left_bar_bleue100/0المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 18 إلى 25 صفحات} Empty_bar_bleue  (100/0)
أسألة الزوار:
المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 18 إلى 25 صفحات} Left_bar_bleue75/0المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 18 إلى 25 صفحات} Empty_bar_bleue  (75/0)
ddddddkkkkkkk:

https://alhorani.ahladalil.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى