هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 25 إلى 31 صفحات}

اذهب الى الأسفل

المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 25 إلى 31 صفحات} Empty المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 25 إلى 31 صفحات}

مُساهمة من طرف المدير الثلاثاء مارس 20, 2012 7:00 pm

الثالثة: عظمةُ القرآن ورفعةُ قدره وعلوُّ شأنه؛ حيث أخبر تعالى في هذه الآية بما أخبر، أنه الذي تولى إنزاله وحفظه، ولم يَكِل ذلك إلى أحد من خلقه.

الرابعة: أن القرآن مشتمل على كل ما يحتاج العباد إليه من أمور الدنيا وأمور الدين، ومن الأحوال الظاهرة والباطنة، فإن معنى الذكر أنه متضمن لتذكير العباد وتنبيههم لكل ما يحتاجون إليه، وتتعلق به منافعهم ومصالحهم، والأمر كذلك؛ فإنه مشتمل على أمور الدين والدنيا ومصالحهما، على أكملِ وجه وأشملِه، بحيث لو تذكر الخلق بتذكيره، ومشوا على إرشاده؛ لاستقامت لهم جميع الأمور، ولاندفعت عنهم الشرور؛ ولهذا أكثر الله في القرآن من حث العباد على الاهتداء به في كل شيء، والتفكر والتدبر لمعانيه النافعة ويترتب على هذا المعنى:

الفائدة الخامسة: وهي أن من قام بالقرآن وتذكر به كان رفعة له، وشرفاً وفخراً، وحسنَ ذِكر وثناء، وبهذا أول قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾[الزخرف: 44] أي: شرفٌ ورفعةٌ لمن تذَكَّر به واستقام عليه.

السادسة: إن التذكر بغيره غيرُ مفيدٍ ولا مجدٍ على صاحبه نفعاً؛ لأنه إذا ثبت وتقرر أنه مادة التذكير لجميع المنافع؛ عُلم أن ما ناقضه وخالفه فهو بضد هذا الوصف؛ ولهذا أتى بالألف واللام المفيدة للاستغراق والعموم.

السابعة: أنه أتى بما يوافق العقل الصحيح والفطر المستقيمة، فليس فيه شيء مخالف ولا مناقض للمحسوس، ولا معاكس للقياس الصحيح، ولا مضاد للعدل والقسط والميزان والحق؛ لأن اللهَ سماه ذكراً، والذكر هو الذي يُذكِّر العبادَ ما تقرر من فطرهم السليمة وعقولهم الصحيحة - من الحق والحث على الخير والنهي عن الشر - فهو مُذكّر لهم ما عرفوه مجملاً، ولم يهتدوا إلى كثير من تفاصيله، فبه تزداد العقول، وتتفتق الأذهان، وتزكو الفِطَر، ولشيخ الإسلام "ابن تيمية" - رحمه الله - في هذا المعنى كتاب: "موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح"([وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]).

الثامنة والتاسعة: أن الله تكفل بحفظه حال إنزاله، فلا يمكن أن يقربه شيطان فيغيره ويزيد فيه وينقص، أو يختلط بغيره، بل نزل به القويُ الأمينُ جبريلُ على قلب الرسولِ محمد r القلبِ الزكي الذكي، الذي هو أكمل قلوب الخلق على الإطلاق، وضَمِن اللهُ لرسوله قرآنه وبيانه: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾[القيامة: 18، 19] وتكفّل اللهُ أيضاً بحفظه بعدما نزل وتقرر، فأكمله الله تعالى، وأكمل به على عباده النعمة، واستحفظه لهذه الأمة على اختلاف طبقات علمائها وأئمتها، ووكلهم به، وائتمنهم عليه؛ فكل قرنٍ حمل عدولُه وأزكياؤه - الذين ضمن الله لهم العصمة عند اتفاقهم - ألفاظَه ومعانيه غضةً طرية، لا تغيير فيها ولا تبديل، وكل من أراد إدخال شيء فيه أو إخراج شيء منه؛ قيّض الله من يذب عنه ويحفظه، وهذا من حفظه، ويؤيد هذا:

الفائدة العاشرة: أن هذا من أدلة صدقه وصدق ما اشتمل عليه، وصدق مَنْ جاء به - وهو محمد صلى الله عليه وسلم - فإنه تعالى خبّر بأنه أنزله، وأنه حافظ له؛ فوقع كما أخبر الله تعالى، فصار هذا آية وبرهاناً على صدقه، وصحة ما جاء به، كما يشهد بذلك الواقع.

فائدة عظيمة: لما كان الدعاءُ مخ العبادة ولبُّها وخالصها - لكونه متضمناً للافتقار التام لله، والخشوع والخضوع بين يديه، وتنوع عبوديات القلب، وكثرة المطالب المهمة - كان أفضلُه وأعلاه ما كان أنفعَ للعبد، وأصحَّ من غيره، وأجمع لكل خير، وتلك أدعية القرآن التي أخبر الله بها عن أنبيائه ورسله وعباده الأخيار، التي كان سيد المرسلين يختارها على غيرها، ولما كان من شروط الدعاء وآدابه: حضور قلب الداعي، واستحضاره لمعاني ما يدعو به؛ أحببت أن أُنبّه تنبيهاً لطيفاً على معاني أدعية القرآن؛ ليسهل استحضارُها فيعظم انتفاعُ العبد بها، فأفضل أدعية القرآن وأفرضُها قولُه تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة: 6، 7] أي: علِّمْنا يا ربنا وألهِمْنا ووفقنا لسلوك الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، المشتمل على علم ما يحبه الله ورسوله ومحبتِه، وفعله على وجه الكمال، وعلم ما يكرهه الله ورسوله ويُغضبه وتركُه من كل وجه، وحقيقة ذلك: أن الداعي بهذا الدعاء يسأل اللهَ تعالى أن يهديه الصراط المستقيم، المتضمن لمعرفة الحق والعمل به، ويجنبه طريق المغضوب عليهم؛ الذين عرفوا الحق وتركوه، وطريق الضالين؛ الذين تاهوا عن الحق فلم يعرفوه.

ومن أجمع الأدعية وأنفعها: دعاء أرباب الهمم العالية، الذين جمع الله لهم بين خيري الدنيا والآخرة. قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[البقرة: 201] فصدَّروا دعاءهم بقولهم: ﴿رَبَّنَا﴾ وذلك متضمن لاستحضارهم معنى تربية الله العامة، وهو الخلق والتدبير، وإيصال ما به تستقيم الأبدان، والتربيةِ الخاصة لخيار خلقه، الذين رباهم بلطفه وأصلح لهم دينهم ودنياهم، وتولّاهم فأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهذا متضمنٌ لافتقارهم إلى ربهم، وأنهم لا يقدرون على تربية نفوسهم من كل وجه، فليس لهم غير ربهم يتولاهم ويصلح أمورهم، ولهذا كانت أغلب أدعية القرآن مصدرة بالتوسل إلى الله بربوبيته؛ لأنها أعظم الوسائل على الإطلاق التي تحصل بها المحبوبات وتندفع بها المكروهات، وحسنة الدنيا: اسم جامع للعلم النافع والعمل الصالح، وراحة القلب والجسم، والرزق الحلال الطيب - من كل مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ ومنكحٍ ومسكنٍ، ونحوِها - فهي اسمٌ جامعٌ لحُسن الأحوال، وسلامتها من كل نقص، وأما حَسَنة الآخرة: فهي كل ما أعده الله لأوليائه في دار كرامته مما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خَطَر على قلبِ بَشر، ولما كانت حسنة الدنيا والآخرة تمامها وكمالها الحفظ من عذاب النار، والحفظ من أسبابه - وهو الذنوب والمعاصي - قالوا: ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ فاشتمل هذا الدعاء على كل خيرٍ ومطلوبٍ محمود، ودفع كل شرٍ وعذاب، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء كثيراً.

ومن ذلك: الدعاء الذي في آخر "البقرة" الذي أخبر اللهُ على لسانِ رسوله أنه قَبِلَه مِن المؤمنين حين دَعوا به: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾[البقرة: 286] ولما كان إخلال العبد بأمر الله قد يكون عمداً على وجه العلم، وقد يكون نسياناً وخطأ، وكان هذا القسمُ غيرَ ناشئٍ عن عمل القلب الذي هو محل الإثم وعدمه؛ سألوا ربهم أن لا يؤاخذهم بالنسيان والخطأ، وذلك عامٌّ في جميع الأمور، قال الله تعالى: "قد فعلتُ" ولما كانت بعض الأفعال فيها شدة ومشقة وآصار وأغلال، لو كُلِّف العباد بها لأحرى أن لا يقوموا بها؛ سألوا الله تعالى ألا يحملهم إياها، ولا يكلفهم بما لا طاقة لهم به؛ ليسهل عليهم أمرُ ربهم، وتخف عليهم شرائعه الظاهرة، فقال الله تعالى: "قد فعلت"، ولما كانت أيضاً الشرائع التي شرعها الله لعباده لا بد أن يحصل منهم التقصير فيها - إما بفعل محظور، أو بترك مأمور - وذلك موجبٌ للشر والعقوبة إن لم يغفره الله ويزله؛ قالوا: ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا﴾ فبهذه الأمور تندفع المكروهاتُ والشرورُ كلُّها، ثم سألوا الله بعد ذلك الرحمةَ التي ينشأ عنها كلُّ خير في الدنيا والآخرة، ولما كان أمر الدين والتمكين - مِن فعل الخير وترك الشر - لا يحصل ولا يتم إلا بولاية الله وتولّيه، ونصرته على الأعداء الكافرين - من الشيطان وجنوده - قالوا: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ قال تعالى: "قد فعلت"، فالله تعالى يتولى عبده، وييسره لليُسرى في جميع الأمور؛ فيدفع عنه الشرور، فهو نِعم المولى ونِعم النصير.

ومن هذا: دعاء الراسخين في العلم بعد الثناء عليهم بالإيمان التام: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾[آل عمران: 8] فسألوا ربهم وتوسلوا بربوبيته في حصول أفضل الوسائل؛ وهو استقامة القلوب على ما يحبه الله ويرضاه، والثبات على ذلك، وعدم زيغها عن هذه الهداية، وأجلِّ المقاصد، وهو حصول رحمة الله تعالى التي يحصل معها خير الدنيا والآخرة، وختموا دعاءهم بالتوسل إلى ربهم باسمه الوهاب أي كثير العطايا، واسع الكرم: فمن كرمك يا وهاب نسألك الاستقامة وعدم زيغ القلوب، وأن تهب لنا من لدنك رحمة؛ لأن الرحمة التي من لدنه لا يُقدّر قدرها، ولا يعلم ما فيها من البركات والخيرات إلا الذي وهبهم إياها، ويشبه أن يكون قولهم: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾[آل عمران: 9] توسلاً إلى ربهم بإيمانهم بهذا اليوم، وتصديق ربهم في وعده ووعيده، فإن التوسل إلى الله بالإيمان ومنّة الله به من الوسائل المطلوبة؛ فيكون هذا من تمام دعائهم.

كذلك: دعاء المتقين الذين أعد لهم الجنة وما فيها الذين يقولون: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[آل عمران: 16] فتوسلوا بربوبية الله لهم وبإيمانهم أن يغفر لهم الذنوب وأن يقيهم عذاب النار، وإذ غُفرت ذنوبهم ووقاهم الله عذاب النار زال عنهم الشر بأجمَعه، وحصل لهم الخير بأجمَعه؛ لأن الأدعية هكذا تارة تأتي مطابقة لجميع مطالب العبد، وتارة يُذكر نوعٌ منها ويدخل الباقي باللزوم، كهذا الدعاء.

ومما أتى فيه الدعاء بجميع المطالب على وجه المطابقة: دعاء أولي الألباب وخواص الخلق حيث قالوا - بعدما تفكروا بما في ملكوت الله -: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾[آل عمران: 191 - 194] فتوسلوا بربوبية الله، وكرروا هذا التوسل، وإقرارهم بحكمة الله وصدق وعده ووعيده، وإيمانِهم برسل الله حين دعوهم إلى الإيمان، ومِنّة الله عليهم بالمبادرة بذلك أن يَقيْهم عذابَ النار، وأن يغفر ذنوبهم الكبار، ويُكفّر عنهم سيئاتهم الصغار؛ فيدفع عنهم أعظم العقوبات - وهو عذاب النار - ويزيل عنهم أسبابَ الشرور كلَّها، وهي الذنوب والسيئات، وأن يرزقهم اللهُ ويوفقهم لأعمال البِر كلِّها؛ فيصيروا بذلك من عباد الله الأبرار، وأن يثبتهم عليها حتى يموتوا عليها؛ فيدخلوا في معية الأبرار، وأن يؤتيَهم ما وعدهم على ألْسِنة رسله وذلك شامل لعطايا الدنيا وخيراتها وعطايا الآخرة وكراماتها، وأن يكرمهم في يوم القيامة ولا يخزهم، وحقيقٌ بقوم دعوا بهذه الأدعية الجليلة - بحيث ما بقي خير إلا سألوه ولا شر إلا استدفعوه - أن يسميهم الله أولي الألباب؛ فهذا من لبهم وعقلهم وتمام فطنتهم، نسأله تعالى أن يوفقنا لما وفقهم له، إنه جوادٌ كريم.

وِمن ذلك: دعاء أتباع الأنبياء في مواطن الشدائد وأنواع المحن: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[آل عمران: 147، 148] فدل هذا على الدعاء من الدعاء الذي استجابه الله، وأن أهله محسنون فيه، وذلك أنهم توسلوا إلى الله بربوبيته، فافتقروا إليه وطلبوا أن يرُبَّهم بما يُصلِح أحوالهم، وأن يغفر لهم الذنوب - وهي المعاصي المستقلة - وإسرافنا في أمرنا - وهي تعدي ما حد للعبد ونهي عن مجاوزته - فكما أن التقصير يلام عليه الإنسان فكذلك المجاوزة للحد، وأن يثبت أقدامهم فيرزقهم الصبرَ والثباتَ، والقوةَ التي هي مادة النصر، وأن يُمِدهم بمَدَدَه الإلهي وهو نصره على القوم الكافرين، فسألوا ربَّهم زوالَ المانع من النصر - وهي الذنوب والإسراف - وحصولَ سببِ النصر وهو نوعان: سبب داخلي، وهو ثباتُ الأقدام والصبر عند الإقدام، وسبب خارجي: وهو نصره، ويشبه أن يكون قولهم: ﴿عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ توسلاً إلى الله، وأننا يا ربنا آمنا بك واتبعنا رسلك، وحاربنا أعداءك الذين كفروا بك وبرسلك، فمعاداتُنا لهم وقتالُنا إياهم لأجلك وفي سبيلك؛ فانصرنا عليهم لكوننا من حزبك وجندك، وهم جنود عدوك الشيطان الرجيم.

ومِن ذلك: دعاءُ عبادِ الرحمن الذين وصفهم الله بكل خُلقٍ جميل، وأعد لهم المنازل العالية؛ فدعوا بدعوتين: دعوةٍ استُجيبت لجميعِهم - كاملَ الدرجة ومَن دونه - ودعوةٍ استُجيبت لخواصهم وأئمتهم وقدوتهم، قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ - إلى أن قال عنهم -: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾[الفرقان: الآيات 63 - 65] فتوسلوا بربوبية الله لهم - وإيمانهم وخوفهم من عذابه - أن يقيهم عذاب النار، وإذا وقاهم الله عذاب النار كان من لازم ذلك مغفرة ذنوبهم، وتكفير سيئاتهم، ودخولهم الجنة، وقال تعالى عنهم: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[الفرقان: 74] فتوسلوا بربوبية الله أن يهب لهم من أزواجهم وقرنائهم وذرياتهم ما تَقَرُّ أعيُنهم به، وهو أن يكونوا مطيعين لله، عاملين بمرضاته، وذلك دليل على أن طاعةَ الله قرةُ أعينهم ومحبتَه نعيمُ قلوبهم، فقويت هذه الحالة إلى أن سألوا اللهَ تعالى أن يجعل قرناءهم بهذه الحالة الكاملة، وذلك مِن فضل الله عليهم؛ فإن الله إذا أصلح قرناءَهم عاد مِن هذا الخير عليهم شيءٌ كثير، ولهذا جعلوا هذا من مواهب ربهم فقالوا: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا...﴾إلخ، ولما كان غاية كمال الإنسان أن يكون مطيعاً لله، وأن يكون قريناً للمطيعين؛ سألوا ربهم أعلى المراتب وأجلَّها، وهي الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوةً للمتقين، وذلك أن يجعلهم علماءَ ربانيين، راسخين في العلم مجتهدينَ في تعلُّمه وتعليمه والدعوةِ إليه، وأن يكون علمُهم صحيحاً؛ بحيث أن من اقتدى بهم فهو من المتقين، وأن يرزقهم من الأعمال الظاهرة والباطنة ما يصيرون به أئمةً للمتقين، وجِماع ذلك: الصبرُ على محبوبات الله، وثباتُ النفس على ذلك، والإيقانُ بآيات الله، وتمامُ العلم بها، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾[السجدة: 24] فالحاصل أنهم سألوا ربهم أن يكونوا كاملين مكملين لغيرهم، هادين مهتدين، وهذه أعلى الحالات، فلذلك أعد الله لهم أعلى غرف الجنان: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾[الفرقان: 75، 76].

ومن ذلك: دعاء آدم عليه السلام حين تاب إلى الله وتلقى منه هذه الكلمات هو وزوجه: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الأعراف: 23] فتوسلا بربوبية الله واعترافهم بالظلم، وإقرارهم بالذنب أن يغفر لهما؛ فيزيل عنهما المكاره كلها، وأن يرحمهما فيعطيهما أنواع المطالب، وأنه لا وسيلة لهما ولا ملجأ منه إلا إليه، وأنه لئن لم يرحمهما ويغفر لهما خسِرا الدنيا والآخرة؛ فقبل الله دعاءهما وغفر لهما ورحمهما.

ومثل قول نوح لمَّا لامه اللهُ بسؤال نجاة ابنه الكافر، الذي ليس من أهله، وأن هذا عمل غير صالح، فقال: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[هود: 47] فتوسل بربوبية الله واستعاذ به أن يسأله سؤالا ليس له به علم، وإنما حمله عليه مجرد محبة النفس لا إرادة رضى الله، واعترف بأن هذا الذي جرى منه يوجب التضرع والاستغفار، وأنه إن لم يغفر له ربُه ويرحمه كان من الخاسرين، فالناس قسمان:

رابحون: وهم الذين تغمدهم الله بمغفرته ورحمته، وخاسرون: وهم الذين فاتتهم المغفرة والرحمة، ولا يحصل ذلك إلا بالله.
ومن ذلك: دعاء إبراهيم خليل الرحمن، وابنه إسماعيل، وهما يرفعان قواعد البيت: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[البقرة: 127، 128] فتضرعا إلى ربهم في قبول الله عملهما، وأن يكون كاملاً من كل وجه، وتحصل منه الثمرات النافعة، وتوسلا إليه بأنه السميع لأقوالهما، العليم بجميع أحوالهما، ولما دعوا بهذا الدعاء الخاص في قبول عملهما سألا اللهَ أجلَّ الأمور وأعلاها، وهو أن يمن الله عليهما وعلى من شاء من ذريتهما بالإسلام لله ظاهراً وباطناً والعمل بما يحبه ويرضاه، وأن يعلمهما العمل الذي شرعا فيه، ويكمّل







[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]([1]) هو كتاب: "درء تعارض العقل والنقل".
avatar
المدير
Admin
Admin

عدد المساهمات : 1934
نقاط : 16298
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 21/01/2011
العمر : 52

خاص للزوار
تردد1:
المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 25 إلى 31 صفحات} Left_bar_bleue100/0المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 25 إلى 31 صفحات} Empty_bar_bleue  (100/0)
أسألة الزوار:
المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 25 إلى 31 صفحات} Left_bar_bleue75/0المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 25 إلى 31 صفحات} Empty_bar_bleue  (75/0)
ddddddkkkkkkk:

https://alhorani.ahladalil.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى