هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 31 إلى 38 صفحات}

اذهب الى الأسفل

المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 31 إلى 38 صفحات} Empty المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 31 إلى 38 صفحات}

مُساهمة من طرف المدير الثلاثاء مارس 20, 2012 7:03 pm

لهما مناسكهما - علماً ومعرفةً وعملاً - وأن يتوب عليهما لتتم أمورهما من كل وجه؛ فاستجاب الله هذا الدعاء كله، وبارك فيه وحقق رجاءهما، والله ذو الفضل العظيم.

وكذلك: دعاء يوسف عليه السلام: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾[يوسف: 101] فتوسل إلى الله بربوبيته وبنعمة الله عليه بنعمة الدنيا وهي: الملك وتوابعه، ونعمة الدين وهي: العلم الكامل، وبولاية الله وانقطاعه عن غيره، وتولي الله له في الدنيا والآخرة: أن يثبته على الإسلام الظاهر والباطن حتى يلقاه عليه، فيدخله في خُلص عباده الصالحين.

ومن ذلك: دعاء سليمان عليه السلام: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾[النمل: 19] فتوسل إلى الله بربوبيته، وبنعمته عليه وعلى والديه؛ أن يوزعه أي يلهمه ويوفقه لشكرها بالاعتراف بها، ومحبته لله عليها والثناء عليه، والإكثار من ذكره، وأن يوفقه عملاً صالحاً يرضاه، ويدخل في هذا جميع الأعمال الصالحة ظاهرها وباطنها، وأن يدخله برحمته في جملة عباده الصالحين، وهذا الدعاء شاملٌ لخير الدنيا والآخرة. ومثل هذا: دعاء الذي بلّغه اللهُ أشُدّه وبلغه أربعين سنة، ومَنّ عليه بالإنابة إليه فقال: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأحقاف: 15] فتوسل بربوبية ربه له، وبنعمته عليه وعلى والديه، وبالتزام ترك ما يكرهه ربُّه بالتوبة وفعل ما يحبه بالإسلام أن يمُنَّ عليه بالشكر المتضمن لاعتراف القلب وخضوعه ومحبته للمنعم، والثناء على الله مطلقاً ومقيداً، وأن يوفِّقه لما يحبه الله ويرضاه، ويصلح له في ذريته، فهذا دعاء محتوٍ على صلاح العبد، وإصلاحِ اللهُ له أمورَه كلَّها، وإصلاحِ ذريته في حياته وبعد مماته، وهو دعاء حقيقٌ بالعبد - خصوصاً إذا بلغ الأربعين - أن يداوم عليه بذُل وافتقار؛ لعله أن يدخل في قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾[الأحقاف: 16].

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ﴾ مستريحاً لذلك الظل بعد التعب، فقال في تلك الحالة مسترزقاً: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾[القصص: 24] أي إني مفتقر للخير الذي تسوقه إلي، وتيسره لي، وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال قد يكون أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة راجياً ربه، متملقاً مفتقراً إليه، معلقاً رجاءَه بالله وحده؛ حتى فرّج كربَه، وجلاّ همّه، والله هو الرزاق.

ومن ذلك: الأدعية التي أمر الله بها رسوله وعباده المؤمنين فقال: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾[المؤمنون: 118] فهذا توسل إلى الله بربوبيته ورحمته الواسعة في حصول الخير، ودفع الشر كله، وهي المغفرة التي تندفع بها المكروهات، والرحمة التي تحصل بها جميع المحبوبات.

وكذلك قوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾[الإسراء: 80] فهذا توسَّلَ إلى الله بربوبيته أن تكون مداخل العبد ومخارجه كلها صدقاً، وذلك أن تكون صالحة خالصة لوجه الله، مقرونةً بالاستعانة بالله والتوكل عليه، وذلك يستلزم أن تكون حركاتُ العبد كلُّها - ظاهرها وباطنها - طاعة لله وعملاً بما يحبه ويرضاه، وهذا هو الكمال من جهة العمل، وأما الكمال من جهة العلم: فإنه يجعل اللهُ له سلطاناً نصيراً، أي حجة ظاهرة ناصرة، وقوة يحصل بها نصر الحق وقمع الباطل، فيحصل باستجابة هذا الدعاء: العلمُ النافع والعملُ الصالح، والتمكين في الأرض.

وقال تعالى لرسوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾[طه: 114] فالعلم أجلّ الأشياء، وبه تعرف جميع الأشياء، فسؤاله وسؤال الزيادة منه من أفضل ما سأل السائلون.

ومن أجمع الأدعية وأحسنها توسلاً: دعاء موسى عليه السلام حين تضرع إلى ربه فقال: ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾[الأعراف: 155، 156] فتوسل إلى وليّه بولايته لعبده، وحسن تدبيره وتربيته ولطفه، على حصول المغفرة والرحمة، وكذلك توسل بكمال مغفرة الله وسعة جوده على هذا، ورتب على هذا حصولَ حسنة الدنيا والآخرة؛ فإنه إذا حصلت المغفرة زالت الشرورُ كلُّها، والعذابُ كله، وإذا حصلت الرحمة حل الخير وحسناتُ الدنيا والآخرة، فيكون قوله: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ﴾ نظير قوله: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾[البقرة: 201] مع زيادة التوسل بولاية الله، وكمال غفرانه، ومع طلب مغفرته ورحمته اللذين بهما تنال حسنة الدنيا والآخرة، ثم ختم دعاءه بالتوسل إلى ربه بالإقبال إليه، والإنابة إليه والتذلل، لعظمته فقال: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ أي رجعنا إليك في مهماتنا وأمورنا، لا نرجع إلى غيرك لعلمنا أنه لا يكشف السوء ولا يجيب المضطر إلا أنت، ورجعنا إليك في عباداتنا الظاهرة والباطنة.

ومن ذلك: دعاءأصحاب الكهف إذ فروا إلى الله بدينهم فقالوا ملتجئين إليه: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾[الكهف: 10] فتضرعوا إليه في أن يؤتيهم من لدنه رحمة بحيث إذا حلت عليهم سلّم لهم دينهم، وحفظهم من الفتن، وأنالهم بها الخير، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشداً أي: ييسرهم لليسرى، ويسهل لهم الأمور، ويرشدهم إلى أرفق الأحوال؛ فاستجاب لهم هذا الدعاء، ونشر عليهم رحمته، وحفظ أديانهم وأبدانهم، وجعل فيهم بركة على أنفسهم وعلى غيرهم.

ومن ذلك: دعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة المقربين، حين دعوا للمؤمنين: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[غافر: 7 - 9] وهذا دعاء جامع، وتوسُّلٌ نافع، فتوسلوا بربوبية الله تعالى، وسعة علمه ورحمته المتضمن علمَه بحال المؤمنين، وما خلقهم عليه من الضعف، ورحمتَه إياهم - لكونه جعل الإيمان أعظم وسيلة تنال بها رحمته - أن يغفر للمؤمنين الملتزمين للإيمان، وهم الذين تابوا مما يكرهه الله، واتبعوا سبيله بالتزام ما يحبه ويرضاه، فيغفر ذنوبهم، ويقيهم أشد العذاب وهو عذاب الجحيم، وأن يُنيلهم أعظمَ الثواب - وهو دخول جنات عدن التي وعدهم على ألسنة رسله - وتمام ذلك: أن يُقِرّ أعينَهم باجتماعهم بآبائهم وأزواجهم وذرياتهم الصالحين، ثم توسلوا بكمال عزة الله وكمال حكمته؛ لأن المقام يناسب هذا، فمن كمال عزته واقتداره: أن يحفظهم ويحول بينهم وبين السيئات، ويصرف عنهم السيئات، وينيلهم أنواع المثوبات، ومن كمال حكمته أن الموصوفين بتلك الصفات هم أهل لأن يغفر لهم ويرحمهم، ويدفع عنهم السوء وينيلهم الأجر، ولما دعوا أن يغفر لهم السيئات التي فعلوها؛ دعوا اللهَ أن يقيهم سيئات أنفسهم الأمارة بالسوء، بأن يحبب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم، ويُكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلهم من الراشدين، وأن مِن لازم وقاية السيئات حصول رحمة الله، وهذا دعاءٌ عظيم صادر من أعظم الخلق معرفة بالله، ولذلك وصف الله من حصلت له هذه الأمور بالفوز بكل مطلوب، والنجاة من كل مرهوب فقال: ﴿وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

وكذلك: دعاء الذين اتبعوا المهاجرين والأنصار بإحسان، حيث قال تعالى عنهم: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10] فتضرعوا إلى ربهم، وتوسلوا إليه بربوبيته ونعمته عليهم بالإيمان، وبسعة رحمته ورأفته أن يغفر لهم ولجميع إخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، وأن يُصلح اللهُ قلوبهم بالاجتماع على الإيمان، ومحبة بعضهم بعضاً، وأن لا يجعل في قلوبهم أدنى غل لكل من اتصف بالإيمان.

وهذا الدعاء يتضمن حصول الخير لهم ولإخوانهم، ودفع الشر عنهم وعن إخوانهم، وقد أخبر الله أن أنبياءه تضرعوا إليه في مطالب خاصة، ومطالب عامة، وتوسلوا بكمال أسمائه وصفاته، وبما مَنَّ اللهُ عليهم به من الإيمان والنعم الدينية والدنيوية، وبما كانوا عليه من الفقر والضعف، وشدة الضرورة إلى ربهم في جميع أمورهم، فهذه الأدعية التي أمر اللهُ بها، وحث عليها ومدح أهلها، هي الأدعية النافعة التي لا يليق بالعبد أن يختار عليها غيرَها من الأدعية المصطلَحَة، والألفاظ المخترعة، التي لا نسبة لها إلى هذه الألفاظ القرآنية!

إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم من الأعمال والأقوال، الباطنة والظاهرة، ومن ذلك الأدعية، وكم في السنة من الأدعية النبوية مما يوافق الأدعية القرآنية! فنسأله تعالى أن يهدينا لأحسن الأمور، ويصرف عنا جميع الشرور، إنه جواد كريم رءوف رحيم.



ـ فصل ـ
16. إذا وُفِّق الحاكم أن يحكم بالحق والعلم، لا بالجهل والباطل، وبالعدل وحسن القصد، لا بالظلم واتباع الهوى؛ فقد سلك سبيل الأنبياء، قال تعالى لداود: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾[ص: 26].

17. قوله تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[الزمر: 61]، فوعد الله المتقين بنفي العذاب عنهم ظاهراً وباطناً، كما أثبت لهم في آخر السورة النعيمَ ظاهراً وباطناً مِن قوله: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا...﴾[الزمر: 73] إلى آخرها.

18. الإخلاص لله تعالى أعظم الأسباب لعون الله للعبد على جميع أموره، ولثبات قلبه، وعدم انزعاجه عند المقلقات والشدائد؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[محمد: 7] أي: إذا كان قصدكم - في جهاد الأعداء - نصرَ الله، وأن تكون كلمتُه هي العليا؛ نَصرَكم اللهُ على أعدائكم، وثبّت أقدامَكم في مواطن اللقاء، فالنصر سببٌ خارجي، وتثبيت الأقدام سببٌ داخلي، وبهذين الأمرين يتم الأمر.

19. كثيراً ما يدور على ألسنة الناس: "إذا أراد الله أمراً هيأ أسبابَه"، دليلُ ذلك في القرآن قوله: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا...﴾الآيات[الأنفال: 43، 44].

20. قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾[الحشر: 2] ما أضعف اليقين في قلوب كثيرٍ من المؤمنين! تجدهم الآن قد استولى عليهم اليأس، وظنوا أن أمر الإفرنج الغربيين الآن سيظهر وسيدوم، وأن أهل الإيمان لا قيام لهم، وأنهم لا بد مغلوبون، وأعداؤهم لا بد غالبون! وسبب هذا: نظرهم إلى الأسباب المدرَكَة بالحس، وقَصَروا النظر عليها، ولم يقع في قلوبهم أن وراء الأسباب المشاهدة أسباباً غيبية أقوى منها! وأموراً إلهية لا تعارَض ولا تمانَع، وآفاتٍ تطرأ، وقواتٍ تزول، وضعفاً يزول، وأموراً لا تدخل تحت الحساب! فهؤلاء أهل الكتاب، ذوو القوة والشوكة، قد غرتهم أنفسهم، وظنوا أن حصونهم مانعتهم، وأنهم يمتنعون فيها، ولم يخطر في قلوب المؤمنين خروجُهم منها! حتى جاءهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، واستولى عليهم الضعف والخراب من حيث لا يشعرون، وللكافرين أمثالها، فالمؤمن حقاً: هو الذي ينظر إلى قدر الله وقضائه، وما له من العزة والقدرة، ويعلم أن هذا لا تعارضه الأسبابُ وإن عظمت، وأن نمو الأسباب ونتاجها متحقق إذا لم يعارضه القَدَر فإذا جاء القدر اضمحل عنده كل شيء، ولكن الأسباب محلُ حكمة الله وأمره؛ فأمر المؤمنين بالاستعداد لعدوهم ظاهراً وباطناً، فإذا فعلوا المأمور ساعدهم المقدور.

21. قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾[الحشر: 9] لا يمكن أن تكون القَبْليَّة في قوله: ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ راجعة إلى الدار دون الإيمان؛ لأن اللفظ لا يساعد على هذا، لأن الوصف بالجار والمجرور، ولا يصلح إلا أن يعود على المعطوف والمعطوف عليه، فإلى أين يعود، وقد عُلم وتقرر أن المهاجرين قد تقدم إيمانُ كثيرٍ منهم على الأنصار؟ فالجواب: أن هذا عائد إلى الدار والإيمان على اللفظ المصرح به، وهو التبوء والاستقرار، ومعنى هذا: أن أهل الإيمان لهم حالُ تَبَوُءٍ وتمكينٍ يتمكنون فيه من إقامة دينهم، وقيامه في أنفسهم وفي غيرهم، ولهم حالُ وجودٍ للإيمان منهم دون تمكين، فلم يحصل التمكين إلا بعدما هاجروا إلى المدينة، وصار لهم دارُ إسلام، وأما قبل ذلك فهم وإن كانوا مؤمنين؛ لكنهم في حالة ذلة وقلة، محكومون مقهورون، خائفون على أنفسهم، وبهذا يتبين المعنى.

22. التجارات نوعان:

أحدهما: تجارة ربحها الجنات، وأنواع الكرامات، وصنوف اللذات؛ وهي تجارة الإيمان والجهاد في سبيل الله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ...﴾إلى آخر الآيات[الصف: 10، 11] إلى آخر الآيات، فهؤلاء هم الرابحون حقاً، وهم الذين تحققوا بالإيمان ظاهراً وباطناً، فاجتهدوا في علوم الإيمان ومعارف الإيمان، في أعماله الباطنة - كمحبة الله ورسوله وخشية الله وخوفه ورجائه - وفي أعماله الظاهرة - كالأعمال البدنية والمالية والمركبة منهما - وجاهدوا أنفسهم على هذا، وجاهدوا أعداء الله بالحجة والبرهان، والسيف والسنان.

وثانيهما: تجارة ربحها الخسران وأصناف الحسرات؛ وهي كل تجارة مُشغِلة عن طاعة الله، ومفوتة لتلك التجارة الرابحة، قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[الجمعة:11] وكم في القرآن من مدح تلك التجارة والحث عليها، والثناء على أهلها! ومِن ذم التجارة الأخرى والزجر عنها والذم لأهلها! وأهل التجارة الرابحة إذا اشتغلوا بتجارة المعاش لم تكن قاطعةً لهم عن تجارتهم، بل ربما كانت عوناً لهم عليها إذا أحسنوا فيها النية، وسلموا من المكاسب الردية، وأخذوا منها مقدار الحاجة، قال تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾[النور: 37] فلم يقل: إنهم لا يتجرون ولا يبيعون، بل أخبر أنهم لو فعلوا ذلك لم يشغلهم عن المقصود - وهو ذكر الله، وأمهات العبادات - وعطف البيعَ على التجارة - وإن كان البيع داخلاً فيها - لأنه أعظم الأسباب التي تحصل بها التجارة وأنواعُ المكاسب وأبرُكها، والله أعلم.

23. سورة مريم - عليها السلام -: قد اشتملت على تفاصيل عظيمة مِن ذكر رحمة الله بأنبيائه وأصفيائه وأحبابه، وما منَّ عليهم به في الدنيا من نِعَم الدين والدنيا، والنعم الظاهرة والباطنة، وما يكرمهم به من الذكر الجميل والثناء الحسن، ووصْفِهم بأحسن أوصافهم، ونَعْتِهم بأشرف نعوتهم، وما يكرمهم به في الآخرة من الثواب والفضل العظيم، وذِكر رحمته أيضاً بأعدائه؛ حيث عاملهم بالحلم والصفح، وتصريف الآيات لعلهم يرجعون مع عظم ما أتوا به من الشرور وعظائم الأمور؛ ولذلك أكثر اللهُ فيها مِن ذكر اسمه الرحمن، الذي هذه آثاره، ومِن ذكر الرحمة؛ فنسأله تعالى أن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين.

24. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ - إلى قوله - ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[الحج: 25، 26] فيه الذم للذين كفروا وصدوا عن المسجد الحرام عبادَه المؤمنين، من وجهين:

من جهة أنهم اختصوا به ومنعوا غيرَهم، مع أن الناس فيه سواء!

ومن جهة أن المؤمنين أحق به منهم، وهذه مرتبة ثانية، فأباحوه للأبعدين ومنعوه الأقربين! فإن الله أمر إبراهيمَ عليه السلام أن يطهره للطائفين والقائمين والرُّكَّع السجود، فهؤلاء أحق الخلق به؛ لأنهم حزبُ الله وأولياؤه، وما كان المشركون أولياءه: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾[الأنفال: 34].
avatar
المدير
Admin
Admin

عدد المساهمات : 1934
نقاط : 16508
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 21/01/2011
العمر : 52

خاص للزوار
تردد1:
المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 31 إلى 38 صفحات} Left_bar_bleue100/0المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 31 إلى 38 صفحات} Empty_bar_bleue  (100/0)
أسألة الزوار:
المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 31 إلى 38 صفحات} Left_bar_bleue75/0المواهب الربانية من الآيات القرآنية {من 31 إلى 38 صفحات} Empty_bar_bleue  (75/0)
ddddddkkkkkkk:

https://alhorani.ahladalil.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى